برزت أزمة ألبان الأطفال على الساحة المصرية مؤخرا باعتبارها كارثة تحرم الأطفال حديثي الولادة في حقهم المشروع في التغذية السليمة من مصدرها الوحيد والأساسي وهو الرضاعة سواء من الأم أو من الألبان المعدلة تكنولوجيا وعلميا لتناسبه.
ولمواجهة أية مشكلة يجب اتباع عدة خطوات منهجية بطريقة علمية تبدأ برفع الواقع ودراسة كافة جوانبه وتحديد أسباب المشكلة وجذورها، ثم عرض نقاط القوة ومناطق الضعف في المنظومة القائمة، إضافة إلى إيضاح الفرص الداعمة والتهديدات التي قد تعوق إجراءات حل المشكلة.
أولا: عرض الواقع الحالي والتأكد من وجود مشكلة حقيقية وذلك يبدو واضحا من خلال :1- شكاوى المواطنين وبكاء الأطفال جوعا؛ بداية من التجمع في تظاهرة شملت الأمهات يحملن أطفالهن الجوعى أمام الشركة الموزعة لألبان الأطفال بكورنيش النيل بالقاهرة بعد صدور قرار مفاجئ من وزير الصحة يوم 1 سبتمبر 2016؛ بحظر بيع ألبان الأطفال المدعمة بالصيدليات، وحتى بلغت ذروتها في شهر أبريل 2024 الجاري حيث تضاعفت حدة الأزمة لتشمل نقص المعروض، وارتفاع أسعار بصورة تفوق إمكانيات الأسرة المصرية خاصة بعد الإجراءات الأخيرة حول تحرير سعر العملة
-2- اعتراف جميع المسؤولين في الحكومة وأعضاء البرلمان ومنظمات المجتمع المدني بوجود الأزمة
-3- تصريحات متحدث رئاسة الجمهورية حول اجتماع شمل جميع المعنيين؛ وصدرت بعدها توجيهات رئاسية حول أهمية حل المشكلة.
ثانيا: التعرف على أسباب الأزمة؛
وتشمل: 1- نقص الكميات المتاحة بالأسواق بسبب أزمة الاستيراد ونقص العملة الصعبة، إضافة إلى خروج كبرى الشركات المستورد من سوق الألبان وهي شركة المتحدة للصيادلة وبالتالي تم اختفاء أهم صنف مستورد من ألبان الأطفال كان منتشرا بين المواطنين وله سمعة طيبة وقبول عند الأطفال الرضع وبالتالي كان من الصعوبة بمكان البحث عن بديل مناسب.
– 2- زيادة الطلب رغم تراجع نسبة المواليد في مصر خلال السنوات الخمس الماضية وذلك يرجع إلى: ارتفاع نسبة الولادات القيصرية في مصر إلى 72بالمئة من عدد الولادات (عالميا 15 بالمئة فقط)، وارتفاع نسبة سوء التغذية والانيميا بين السيدات في سن الحمل والولادة الى 38بالمئة (المسح الصحي للأسرة المصرية 2022)، وعدم قدرتهن على استكمال الرضاعة الطبيعية بصورة صحية سليمة.
-3- زيادة الأسعار بسبب: ارتفاع تكلفة تصنيع المنتج المحلى بسبب أزمة الدولار لأن 75 بالمئة من مستلزمات الإنتاج مستوردة، وعدم وجود تسعيرة جبرية باعتبارأن ألبان الأطفال من المكملات الغذائية ويتبع الهيئة القومية لسلامة الغذاء، وبالتالي فهو سلعة غذائية تخضع لآليات السوق. واحتكار شركات الجيش للمنتج المحلى المعروف باسم ” تحيا مصر”، والاستحواذ على كامل انتاج مصنع لاكتومصر، والشراكة في رأس المال. وقيام “هيئة الشراء الموحد” المسئولة عن تسهيلات الاستيراد والتي يترأسها ضابط من الجيش؛ بتحصيل رسوم بنسبة 7 بالمئة من قيمة المنتجات المستوردة.
ثالثا: الحلول المقترحة لمواجهة أزمة ألبان الأطفال:
ومنها حلولا عاجلة وعلى المدى القصير تشمل: 1- تسهيلات صرف الألبان المدعمة بزيادة منافذ التوزيع بصورة عادلة على كافة أنحاء مصر، وتوفير الكميات المطلوبة كاملة للفئات المستهدفة من الأطفال. و2- الاعفاء الجمركي فورا لجميع مدخلات انتاج ألبان الأطفال أسوة بإعفاء شركة سايلوفودز العسكرية للبسكويت والمعجنات، و3- تغير توصيف ألبان الأطفال لتصبح “مكملات دوائية” وتخضع للتسعيرة الجبرية لهيئة الدواء المصرية مثل جميع الأدوية ويتم احكام الرقابة. و4- وقف تحصيل نسبة 7 بالمئة رسوم لهيئة الشراء الموحد لتخفيض سعر المستورد.، و5- تسهيل إجراءات أذون الاستيراد للوكيل الجديد لشركة انتاج ألبان الأطفال.
وعلى المدى الطويل يلزم البدء الآتي: 1- عودة بند دعم ألبان الأطفال لموازنة الصحة بداية من موازنة 24/2025؛ حيث تم إيقاف الدعم بداية من موازنة 16/2017، وعدم الاعتماد على وجود صندوق مواجهة الطوارئ الطبية لأنه مسار غير منتظم ولا يفي باحتياجات منظومة واجبة الانتظام مثل تغذية الأطفال عامة والرضع خاصة. و 2- تطوير الشركة الحالية ورفع الكفاءة لزيادة كمية الإنتاج المحلى، وتحسين الجودة.، وأخيرا ؛4- أهمية السماح بانشاء شركات مصرية وطنية مدنية لتوطين صناعة ألبان الأطفال بصورة حقيقية شاملة، وكسر احتكار الجيش، وإيجاد بيئة تنافسية تعود بالنفع على المواطنين.
الخلاصة هي أنه وبالرغم من حدة الأزمة واتساع نطاقها؛ إلا أنه توجد حلول عديدة في مجال قدرة الدولة على التنفيذ مرحليا سواء على المدى الطويل أو بصورة عاجلة؛ ولكن بشرط واحد فقط وهو وجود الرغبة والإرادة لدى القيادة السياسية في مراعاة صحة وسلامة الثروة البشرية التي تعتبر من أهم عناصر بناء التنمية المستدامة حسب رؤية مصر 2030.