حين وافق مجلس النواب اللبناني في 17 ايار 1983، ما عدا النائبين الوطنيين الشجاعين زاهر الخطيب ونجاح واكيم، وتغيّب نواب شرفاء عن الجلسة ايضاً، على اتفاق رعاه وزير خارجية امريكا آنذاك شولتز
وعرف بعد ذلك باتفاق “السابع عشر من ايار” ، ظنّ اللبنانيون ومعهم الكثير من اشقائهم العرب ان لبنان قد دخل العصر الاسرئيلي وان العدو قد استكمل غزوه العسكري في حزيران(يونيو) بغزو سياسي شامل.
كان كل شيء يومها مظلماً، وكانت مواقف العديد من السياسيين والاحزاب تترواح بين الحماسه لاتفاق الاذعان او الصمت ازاءه ، لولا اسماء بارزة كالرئيسين الراحلين سليمان فرنجية ورشيد كرامي “رحمهما الله” ،
ومعهما الرئيس نبيه بري والاستاذ وليد جنبلاط وعدد من الاحزاب الوطنية والقومية ، ومجموعة من الشباب الاسلامي التوجه الذي بات معروفاً باسم حزب الله ، ليلعب دوراً كبيراً ، كنا قد توقعناه له منذ ان كانت له معسكرات تدريب في بعلبك وبدأ بتنفيذ عمليات نوعية ضد الاحتلال وداعميه..
ورغم ان فارق القوة كان شاسعا بين قوى 17 ايار / مايو المحلية والخارجية ، والقوى المعارضة والمعترضة على ذلك الاتفاق ، الاّ ان معركة اسقاط اتفاق 17 ايار بدأت منذ اليوم الاول في الضاحية الجنوبية بعد خطبة نارية من سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله) ،
وتظاهرة استشهد فيها المجاهد علي نجدة ، لتنتقل بعدها شرارة المواجهة الى حرب الجبل ومعركة الضاحية وانتفاضة السادس من شباط في بيروت التي ادت الى اسقاط ذلك الاتفاق المشؤوم وبدعم لا يُنكر من الجيش العربي السوري ،
بالاضافة الى اعداد كبيرة من المقاتلين الفلسطينيين ، والى دعم مادي كبير من ليبيا يومها ، دون ان ننسى دور الجمهورية الاسلامية في ايران الكبير ايضاً في دعم تلك المقاومة.
كان اسقاط الاتفاق المشؤوم جزءاً من منجزات المقاومة الوطنية والاسلامية التي انطلقت من بيروت بعد دخول القوات الصهيونية اليها في 14 ايلول / سبتمبر 1982 ، وكان اسقاط الاتفاق ايضاً بداية مرحلة من الانسحابات الاسرائيلية المتدرجة من ساحل الشوف ثم من صيدا والزهراني والنبطية وصور وصولاً الى التحرير في مثل هذه الايام من عام 2000.
اذهلت انتصارات لبنان ، الشعب والمقاومة ، كثيرين واستغربوا كبف يمكن لقوى شعبية محدودة الامكانبات ان تهزم قوة اقليمية كبيرة في المنطقة مدعومة من القوة الاكبر في العالم…وان تسقط اتفاقاً للتطبيع ، بل للهيمنة الكاملة للعدو على لبنان ، فيما الصمت بقي مطبقاً على العديد من الحكومات العربية والاسلامية.
الذهول نفسه تضاعف منذ 225 يوماً ، اي منذ بداية ملحمة طوفان الاقصى،فيما العالم كله يتابع بطولات المقاومين في غزةوعموم فلسطين واكناف فلسطين والتي ادخلت العدو الصهيوني وحليفه في واشنطن وعواصم الاطلسي في المأزق تلو المأزق ، والارتباك تلو الارتباك.
واذا كانت المقاومة بوحدة قواها وساحاتها هي التي تفسّر هذا الذهول… فإن الدرس المستفاد من هذه المسيرة بسيط جداً ، هو ان مع ارادة الشعوب يصبح المستحيل ممكناً.