إسرائيل ظاهرة نشأت فى ظروف معينة وأحدثت آثارًا مدمرة وقدموا إسرائيل لنا نحن العرب بمبررات متعددة رغم أن قراءة المشروع الصهيوني في كتاب الدولة اليهودية كان كافيا لفهم الحقيقة التى عانينا بسبب غيابها قرابة القرن.
أدرك الغرب بعد الحرب العالمية الثانية أن نجمه يأفل وأن له مصلحة مؤكدة فى الشرق الأوسط كانت هذه المصلحة فى البداية هي الهيمنة على العالم العربي أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي،
ثم تطورت هذه المصلحة فأصبح بقاء إسرائيل، فلما عربدت إسرائيل فى البلاد العربية وانكشف الكثير من الزيف؛ سواء فى المبررات أو فى جوهر المشروع الصهيوني، وهو ما حرصت بريطانيا العظمى على اخفائه عن العرب،
بينما ظن العرب بحسن نية أن إسرائيل تجمع لليهود المضطهدين وأن من اخلاقهم وقيم دينهم اغاثة الملهوف وحماية الضعيف واكرام الضيف. وقد صُدم العرب والفلسطينييون بفكرة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود؛
فرفضوا قرار التقسيم عن حق كما رفضه الفلسطينييون، خاصة وأن إسرائيل التى هبطت إلى الأرض من السماء بهذا القرار رفضته أيضا،
وبدأت تتكشف الحقيقة منذ عام 1967؛ حيث اعتدت إسرائيل على 3 دول عربية وأطبقت على كل فلسطين، وبدأت بعد ذلك سياسة الاستيطان فى الأراضى العربية المحتلة، ثم الادعاء بأن فلسطين كانت يهودية ولا بُد من استرداد فلسطين من العرب والاستحواذ على كل فلسطين، وذلك من بداية الالفية الثالثة، وكانت مظاهر غدر إسرائيل للعرب هي الآتى:
أولاً: رفض الانسحاب من الأراضي العربية وزعمت أنها أراضٍ إسرائيلية وبررت إسرائيل ذلك بأن الجيش الإسرائيلى هزم الجيوش العربية ويترتب على ذلك أن حلاوة النصر ومقابله وجائزته هو الاستيلاء على الأرض.
ثانياً: ابتدعت إسرائيل نظرية الدفاع الشرعي الوقائي وخاصة مع مصر عام 1967 وقد حاولت مصر بكل الطرق الدبلوماسية أن تُجلي إسرائيل عن سيناء،
ولكن فشلت كل الجهود الدولية، لذا كانت حرب أكتوبر عام 1973، والتي من بعدها بدأت المفاوضات مع إسرائيل لإجبارها على الانسحاب الكامل من سيناء؛ إذ لم تعترف إسرائيل بمبادئ القانون الدولى،
إلى جانب عدم اعترافها بقرار مجلس الأمن رقم 242 ومبدأ عدم جواز اكتساب أراضي الغير بالقوة. وكان مقابل الانسحاب من سيناء هو محاولة مصادرة الإرادة المصرية ووضع تحفظات على سيادة مصر على سيناء، على النحو الذى تضمنته اتفاقية السلام عام 1979 بين مصر وإسرائيل،
وإقامة منطقة منزوعة التسليح الثقيل في منطقتي “ج” و”د”، والتي تشمل المنطقة الحدودية لدى كل من مصر وإسرائيل وغزة.
ثالثًا: تبيّن لمصر وللعرب جميعًا أن إسرائيل تحاول أن تُقسِّم العرب، وقد قال رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجن- صراحةً- أن مصر مركز تجميع للعرب ضد إسرائيل في الحرب؛ فلا بُد أن تكون مركز تجميع للعرب فى السلام.
والسلام الذى تريده إسرائيل هو تسيُّد إسرائيل في المنطقة وبشق الصف العربى، وحرمان الفلسطينيين من الحاضنة العربية والقضاء على العروبة؟ وقال شمعون بيريز رئيس إسرائيل الأسبق ذلك أيضًت في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”؛
حيث لا تقبل إسرائيل مؤسسات العمل العربي المشترك؛ بل تحاول اختراقها مثل تقديم طلب الحصول على عضوية مراقب في الجامعة العربية، او مراقب في الاتحاد الافريقى، لكنَّ الطلبين رُفِضا في أوقات متفرقة.
رابعًا: أدرك العرب أن إسرائيل تجسيدٌ للمشروع الصهيوني وأن سكانها يتمسحون باليهودية وكلهم صهاينة ممن أغراهم لمعان المشروع الصهيوني،
وأدرك العرب أيضًا أن إسرائيل لم تقدم للعرب سوى الخراب وأنها تمكّنت من شق الصف الفلسطينى وحرمان الفلسطينيين من الحاضنة العربية حتى يُمكن أن تقضي على الفلسطينيين أو تطردهم لتنفيذ ما تسمى بـ”صفقة القرن”،
وبدأت بمشروع شارون عام 2003 الذي قدمه فى “قمة العقبة” المحدودة مع الملك حسين عاهل الأردن الراحل والرئيس المصري الراحل حسني مبارك،
وهذا كان جرس انذار للعرب. فقد تحدث بيريز عن إسرائيل كدولة يهودية، وبعد ذلك أصدر الكنيسيت الصهيوني قانونًا يُبشِّر فيه بالدولة اليهودية عام 2017.
ورغم النقد العربي لهذا القانون، إلّا أن واشنطن اعتبرت تمكن إسرائيل من العرب نجاحًا للسياسة الأمريكية فى المنطقة، وبالفعل فإن واشنطن تُركِّز الآن على السعودية،
ومنذ سنوات، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الإنجاز الوحيد لإدارته في الشرق الأوسط يتمثل في التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية؛ وهي: المغرب والسودان والإمارات والبحرين.
خامسًا: الحديث علنًا في ادارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن صفقة القرن، ولعل هذه النقطة تفرض نفسها في المعركة الانتخابية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري بين ترامب وبايدن؛ أيهما أقدر على تنفيذ صفقة القرن.
سادسًا: أن العرب تابعوا نشاط المقاومة الفلسطينية وكيف فككت المشروع الصهيونى وأصبحت مسمارًا فى نعش الظاهرة الإسرائيلية؛
ذلك أن صفقة القرن تعني استقدام يهود العالم أو المُتستِّرين باليهودية إلى إسرائيل التي تأمل أن تصبح “إسرائيل الكبرى” بعد طرد الفلسطينيين من أرضهم فى كل الاراضي الفلسطينية.
هذا حصاد كفاح البيت الأبيض مع الصهاينة الذين يريدون أن يُكملوا ما بدأوه بالخديعة حتى تحل الصهيونية محل العروبة، ويحل الشرق الأوسط محل العالم العربي، ومن ثم القضاء على هوية المنطقة العربية والإسلامية.
لكن المقاومة تمكّنت من تفكيك المشروع الصهيونى على النحو الآتي:
- أن سلوك إسرائيل فى ابادة غزة لا يعكس مطلقًا التزام سكان إسرائيل بأي دين أو أخلاق أو قانون وغرتهم الامانيّ عندما أطلق الغرب يد إسرائيل وشارك مباشرة فى ابادة الفلسطينيين وتنكّر لكل الشعارات التي صدّرها لنا منذ الحرب العالمية الثانية .
- أن المقاومة ضربت هيبة الجيش الإسرائيلي التي كانت ضمانة مهمة لاستقرار الصهاينة في فلسطين.
- ثبت أن إسرائيل لا تحترم القانون الدولى ولا تقيم وزنًا لأحد، حتى الولايات المتحدة، وأن الغرب مُتواطئ معها في ابادة الفلسطينيين.
وهكذا نشهد نهاية الظاهرة الإسرائيلية بآثارها، وتعود المنطقة العربية إلى أحضان العروبة.