زينات صدقي.. محدش مشي في جنازتها واندفنت في مقابر الصدقة
زينات صدقي من أهم كوميدينات مصر
أشهر أغانيها فى كازينوهات بيروت أنا زينات المصرية خفة ودلع، أرتيست لكن فنية، أغني وأتسلطن يا عنيا، تعالى شوف المصرية”.
ولدت زينات صدقى في حي الجمرك بالإسكندرية، ولدت زينب محمد سعد في 4 مايو 1912، رحل والدها مبكرا وهي ما زالت طفلة،
وبعد وفاته تزوجت من ابن عمها الطبيب، وكان عمرها لم يتخطى الـ 15 عاما وهو يكبرها بأكثر من 10 سنوات، لم يستمر الزواج طويلا وانفصلت عنه، حتى تسعى للغناء في الإسكندرية ولكن رفض واستهجان أسرتها لرغبتها، اضطرها لأن تتخذ مسلكها بنفسها، وإن كلفها تنكرهم لها.
جعلت مسيرتها المخلصة للفن وحده، لتذكرنا بـ “الكوميديانة” التلقائية التي ظلت تتمنى اعتراف أسرتها بها حتى وفاتها.
وكانت دايما تقول “نفسي يشوفوني عشان يعترفوا بيا، عشان من قلبهم كده يقولوا زينات قريبتنا” بحرقة وألم ردت زينات صدقي على سؤال المذيعة خلال حفل أذاعه التلفزيون المصري يرجح أنه في أوائل السبعينات، كان هدفه تكريم كبار الفنانين ومنحهم معاشات استثنائية، لكنها شعرت أنها الفرصة لتعبر عن غضبها من تجاهل أسرتها، التي لطالما تصدت لرغبتها في التمثيل.
حملت الطفلة زينب داخلها حبا للفن لم يقدره أحد، فكان الرفض هو الرد على محاولاتها للغناء أو المشاركة في العروض الاستعراضية،
فقررت بصحبة صديقتها خيرية صدقي أن تسافر إلى القاهرة، وقيل إنها سافرت إلى لبنان مع والدتها وغنت في كازينوهات بيروت، واشتهرت بأغنية “أنا زينات المصرية خفة ودلع، أرتيست لكن فنية، أغني وأتسلطن يا عنيا، تعالى شوف المصرية”.
يتردد أنها كانت الأغنية التي فتحت لها فرصة الرجوع إلى مصر بعد أن رأتها بديعة مصابني،
وعملت لفترة في فرقة “نجيب الريحاني”، فكانت ترقص وتغني المونولجيست، كما شاركت في مسرحية “الدنيا جرى فيها إيه”، ومنحها الريحاني اسم “زينات صدقي” حتى لا يختلط مع ممثلة أخرى اسمها زينب صدقي.
تمتعت زينات صدقي بجمال آخاذ، عيون ملونة وملامح فاتنة، كان يمكن لها أن تكتبها مع نجمات الصف الأول،
لكنها كانت “كوميديانة” بالفطرة، لا تناسبها أدوار الفتيات الباحثات عن الحب أو الساعيات لاكتشاف أنفسهن، ولا يليق بها حفظ الدور وتأديته، فتجاهلت مظهرها وسعت لأن تكون مميزة بحضورها المتفرد.
ومن أشهر إفيهاتها “يا قاتل يا غادر يا سارق قلوب العذارى.. الوحش الكاسر الأسد الغادر إنسان الغاب طويل الناب”
ذكر الفنان الراحل فؤاد المهندس في أحد اللقاءات التلفزيونية، أن نجيب الريحاني كان يلقب زينات صدقي بـ قيثارة المسرح”،
واعتبرها قيمة لم يأت مثلها “مين يعرف يعمل زي زينات دلوقتي”، بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يكون مثل زينات، سواء بإخلاصها للفن والكوميديا أو بحضورها المميز في كل عمل سينمائي، تسعى أن تخدم الفيلم من نقودها الخاصة، فتشتري أزياء الشخصية التي تجسدها وإكسسواراتها المميزة لتضيف لها لمسة خاصة، وبهذا خلدت أدوارها وعاشت في قلوب محبيها.
لم تكن زينات صدقي تقرأ السيناريو وتحفظ الحوار. كل من عمل معها يتذكر كيف كانت تفهم طبيعة الدور والعمل، وتبدأ في الارتجال
وبكل تلقائية تلقي بالكلمات التي ما زالت تشتهر بها.
فما تقوله زينات صدقي لا يمكن أن يخطر على بال مؤلف، ولكنها آتية من قاموسها الخاص،
ويحكي الفنان الراحل أحمد رامي في لقاء تلفزيوني، حين توقف يوم تصوير كامل بسبب عدم قدرة الممثلين على التوقف عن الضحك بسبب ما قالته زينات صدقي “كل ما تتكلم نضحك ومش قادرين نسكت”.
شاركت زينات صدقي في ما يقرب من 200 فيلم وشكلت ثنائيات مميزة مع إسماعيل يس وعبد السلام النابولسي،
فظهرت بأدوار الجارة سليطة اللسان والسيدة التي تسكن حي شعبي، والمرأة التي تبحث عن زوج وتبذل في ذلك كل السبل، ومن بين أشهر الأفلام التي شاركت بها:
المليونير الفقير- 1959
أبو عيون جريئة- 1958
إسماعيل يس في مستشفى المجانين- 1958
الشيطانة الصغيرة- 1958
شارع الحب- 1958
ابن حميدو- 1957
أيامنا الحلوة- 1955
الأنسة حنفي- 1954
دهب- 1953
بيت النتاش- 1952
الأنسة ماما- 1950
ياسمين- 1950
عفريتة هانم- 1949
آخر فيلم شارك فيه كان “بنت اسمها محمود” عام 1975، وكانت لها مشاركاتها المسرحية في أدوار مختلفة، منها: مسرحية جوزي كذاب، والست عايزة كده، وركن المرأة.
أزواج زينات صدقي
ليس كما يُشاع عنها بأنها لم تتزوج إطلاقا، وبات يُلقى عليها ألقاب غير لائقة مثل “عانس”. تزوجت زينات صدقي مرتين الأولى كانت من قريبها الطبيب
وانفصلت عنه لتسافر إلى القاهرة وتعمل في الفن. أما الزيجة الثانية فكانت من ضابط معروف يقال إن والده كان عمدة إحدى قرى محافظة المنوفية.
لم يستمر زواج زينات صدقي الثاني طويلا، رغم محبته الكبيرة لزوجها. الذي يشاع أنه طلب منها أن يبقيا الزواج سرا
وأن تترك والدتها لتعيش مع إحدى شقيقاتها، وهو ما لم تتحمله منه، وقررت الانفصال.
ومن أشهر إيفهاتها أيضا “يعني أنا اللي هفضل كده من غير جواز؟ ده حتى مش كويس على عقلي الباطن يا إخواتي”
تكريم زينات صدقي
في عيد العلم عام 1965، شملها الرئيس جمال عبد الناصر ضمن المكرمين، بالعودة إلى الحفل الذي ذكرناه في البداية،
بدت خلاله زينات صدقي خجولة من علامات العمر التي حُفرت بوجهها، ويائسة لكن تحمل قليلا من الأمل في أن تشارك بأعمال جديدة بعد غياب طويل “إنشالله دور عفريتة”، وبكل صدق أفصحت عن عمرها “أنا مواليد 4 مايو سنة 12.. ومستعدة أشتغل 24 ساعة في الـ 24 ساعة”.
رأت وقتها في زينات صدقي في الحفل والتكريم الذي أقيم في مبنى التلفزيون، وبرعاية عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإعلام حينها،
فرصة لرد الاعتبار لها ولزملائها الممثلين بمنحهم مكافأت ومعاشات استثنائية.
“ربنا ينصر الفنانين على أهاليهم اللي مبيعترفوش بالفن” عبرت عن رغبتها في الاعتراف والتقدير بتلقائيتها المعهودة،
فهي ابنة جيل أفنى عمره للفن، ورحل دون أن ينال التقدير الذي يستحقه.
بعدها بسنوات، سعى الرئيس الراحل أنور السادات إلى تكريمها ضمن آخرين في حفل عيد الفن عام 1976.
ومع ترددها في الحضور بسبب عدم امتلاكها لفستان يليق بالمناسبة،
وبين محاولة رشاد رشدي، رئيس أكاديمية الفنون حينها، ومعرفتها بحرص السادات على حضورها.
جاءت إلى الحفل مرتدية جيب وبلوزة وتلقت التكريم، وكان باديا أنها تحمل داخلها مشاعر حزن قوية، منحها السادات مكافأة وأعاد صرف معاش استثنائي لها
منزل زينات صدقى
منذ أتت زينات صدقي إلى القاهرة واستقرت بها، سكنت في شقة بالدور الخامس في إحدى البنايات القريبة من منطقة رمسيس بشارع جلال باشا،
اختار لها الشقة نجيب الريحاني وعاشت فيها مع شقيقتها وابنة شقيقتها نادرة. التي أنجبت أبنائها عزة وطارق وكانت تأنس زينات صدقي بوجودهم جميعا، وما زالت الحفيدة عزة تعيش في نفس الشقة.
“ياختي جماله حلو شبابه حلو.. كتاكيتو بني”
في يوم حلمت في منامها، إن في بيتها مصاحف من الحجم الكبير، والصبح راحت اشترت نفس المصاحف من حي الأزهر، وكانوا ضيوفها بتعجبهم المصاحف فبيطلبوها منها فبتديهالهم، ومفضلش منها غير مصحف صغير تقرأ فيه وبعد كل قراءة تكتب ورقة صغيرة فيها رسالة لربنا زي ،”يارب افتحها في وشي..يارب هات لي شغل” يارب ارجع تاني أشتغل وأسدد ديوني” .
وكان من بين الرسايل دي” يارب توب عليّ من الشاي والسجاير، يارب تكرم نادرة، وتهدي لها عيالها طارق وعزة، يارب تحنن عليّ قلب صاحب البيت وتخليه يصبر علىّ في دفع الإيجار المتأخر..يارب ساعدني ووفقني واكرمني في صحتي وابعتلي شغل”..
قعدت زينات صدقي 16 سنة في بيتها من غير شغل، ماظهرتش إلا في “السراب”، و”بنت اسمها محمود” 1975 وده أعلى فيلم اخدت فيه فلوس 500جنيه؛ وأول م الحال يضيق بيها كانت تروح تشتغل في مسارح الشركات والجامعات بمقابل زهيد.
ورغم ظروف الحال الصعبة، كانت في العيد، الناس كلها بتشتري لحمة ، وزينات صدقي في بيتها بتاكل باذنجان، وكانت بتاكل راضية ومبسوطة، وتجري ع الأوضه تجيب الصاجات وتغني: راح المال وراس المال وقرايبها يرددوا وراها: ومبسوطين وممنونين.
قالت بنت اختها “في حوار مع الأستاذ أيمن الحكيم”: كنت دايمًا أشوفها بتهزر وتضحك، وعمرها ما بكت قُدامنا، مع اني كنت عارفة إنها بتبكي، تدخل أوضتها وتقفل على نفسها وتقعد تعيط على حالها من غير م حد ياخد باله خالص.
بتقول في مرة قولتلها: ياطنط ما تروحي نقابة الممثلين ولا مبني التليفزيون يشوفوا وشّك عشان يفتكروكى ويشغلوكى، فكانت تزعل وتقولي: انتى ترضي لي أهين نفسي بعد العمر ده والمكانة دي؟!، اسم زينات صدقي ده أنا عملته بدمي وأعصابي وعمري ولا يمكن أفرط فيه..أنا مش ندمانة ولا زعلانة إني عيطت ..الفن عندي كل حاجة حتى لو ما أخدتش منه أي حاجة..الناس عارفة تليفوني وعنواني واللي عاوزني يطلبني، إنما انا عمري ما أنزل أتسول دور ولا اقولهم انا اهه!
في مرة عبد السلام النابلسي بيقولها بهزار: يا زينات مش معقول كلنا ارتقينا ورحنا الزمالك وجاردن سيتي ومصرالجديدة، وأنتِ لسه قاعدة في عماد الدين، لازم تشوفِ شقة تليق باسمك ، فردت عليه : وأجيب منين عشرين جنيه كل شهر إيجار شقة في الزمالك؟! خليني في عماد الدين على قدي..أهي عيشة والسلام.
كانت بتعمل الأكل بإيديها، وفي مرة في فيلم شارع الحب، كانت حاطّة عمود الأكل قدامها، وعدّى عليها عبد الحليم حافظ، نادتله: اقعد ياحليم كُل معايا، ده اكل مسلوق خفيف ع المعدة، فقالها: ياماما زينات ياريت كنت أقدر، انا أكلي اهه وطلع من جيبه علبة دوا، فعيطت ونزل عبد الحليم يبوس راسها ويواسيها يعني، وأصرت أنها لا وتحط لقمة في بقها.
كانت بتحب أحمد سعيد المذيع بصوت العرب قوي، ولما عن السبب؛ جاوبت: الراجل ده عليه كلام..ساعات بابقى هاين عليّ اسيب الأكل على البوتجاز وانزل أحارب.
زينات صدقي كانت بتعطف على كومبارس اسمه إبراهيم فوزي، وفي مره كان واقف ع المسرح ووقع ع الأرض نقلوه المستشفى ..ومات، تكفلت هي بمصاريف جنازته، وكلمت ناس كتير عشان يحضروا جنازته، وكل ما تعدي الجنازة على قهوة تروح للناس اللى قاعدة تستعطفهم: الميت ده غلبان ينوبكم ثواب تعالوا امشوا وراه.. وراحت المسرح بعدها ودبت خناقة مع بديع خيري وسراج منير وعباس فارس، لأنهم تكاسلوا عن تشييع الجنازة وقالتلهم: يعني ده لو كان يوسف وهبي ولا محمد عبد الوهاب مش كان زمانكم بتجروا ع الجنازة عشان تطلعوا في الصور..
يمر الزمن وتموت الست زينات
تدهورت الحالة الصحية لدرجة أنها لزمت المنزل ولم تشارك بأي عمل أو أي ظهور لسنوات،
فأصيبت بماء على الرئة كانت تُصعب عليها الحركة والتنفس، حتى رحلت في 2 مارس 1978.
ومحدش يمشي في جنازتها غير أهلها.. عشان تودع الدنيا في سلام وبطريقة أقل شأنًا من الكومبارس إياه.. رحمة الله على زينة الفنانات.. زينات صدق