تحذير الخبراء: مصر تواجه خطر أزمة اقتصادية بفعل طباعة النقود والتضخم
تبدو أزمة اقتصادية وشيكة في مصر، حيث يرون اقتصاديون أن الصفقات الإنقاذية التي تم تقديمها بقيمة 45 مليار دولار لن تكون كافية لحل المشاكل المالية.
وأن زيادة طباعة النقود تزيد من التضخم، وارتفاع أسعار الواردات والسلع الأساسية، والفائدة المرتفعة ستبقى حتى نهاية العام.
وأشار خبراء الاقتصاد أن هناك قلق من زيادة احتياطي البنك المركزي بقيمة 4 مليارات دولار، وعدم دفع مستحقات القطاع المصرفي بقيمة 21 مليار دولار.
أكد الخبراء أن النظام المصرفي كان يعاني من عدم توفر السيولة الدولارية خلال العامين الماضيين بسبب إلزام البنك المركزي والحكومة البنوك بتوفير السيولة للهيئات العامة واستيراد السلع الأساسية والمعدات المحددة من قبل الحكومة.
وصلت قيمة هذه السيولة إلى حوالي 29 مليار دولار، مما تسبب في أزمة سيولة داخل البنوك.
تم حل هذه الأزمة جزئياً بتدبير حوالي 4 مليارات دولار، وهي قيمة البضائع التي تم الإفراج عنها جمركياً في الموانئ.
وأشار الخبراء إلى أن الضغط على العملة المحلية سيستمر، نظراً لحاجة الدولة إلى حوالي 20 مليار دولار إضافية لسداد التزاماتها المالية وتعويض الفجوة بين الصادرات والواردات خلال العام المالي 2024-2025.
وحذروا من تراجع عائدات المصريين المقيمين في الخارج، نظراً لتراجع معدلات النمو في دول الخليج وفقاً للمؤشرات الدولية خلال عام 2024.
أزمة مستمرة
أعلن علاء الدين السبع، رئيس مجلس إدارة “بساطة القابضة للمدفوعات المالية” خلال الندوة، توقعه بأن سعر الفائدة الذي وصل إلى 32% سيؤثر على التمويلات التي تحصل عليها الشركات لاستيراد السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج، مما يدفعها إلى تحويل جزء من الخسائر إلى السوق، مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع وارتفاع معدلات التضخم.
وأكد السبع أن الفجوة بين الصادرات والواردات ستستمر لفترة طويلة، داعياً الحكومة إلى زيادة معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر والاهتمام بالمصريين في الخارج كأكبر مصدر للعملة الصعبة للدولة.
وحذر من التغييرات المستمرة في نظم الضرائب على تعاملات البورصة منذ عام 2023، مما يجعل أدائها متقلبة وغير قادرة على تحقيق الغرض الأساسي من وجودها.
سوق مالي ضعيف
أشار هاني توفيق، الأمين العام السابق للجمعية المصرية للأوراق المالية، في كلمته، إلى تراجع أداء سوق المال في الفترة الأخيرة، حيث خرجت مصر عن مؤشرات الأسواق الناشئة فيما يتعلق بالأسهم والسندات.
وأوضح أن أداء البورصة تأثر بشدة بتصريحات المسؤولين وارتفاع معدلات التضخم وتقلبات سعر الصرف.
وأكد توفيق أن قيمة الجنيه المصري تراجعت بنسبة 300% مقابل الدولار منذ فبراير 2022 حتى نهاية مارس 2024، مما جعل البورصة تصبح وسيلة لحفظ القيمة.
وقد اقتنع المتعاملون بشراء الأسهم التي حققت نموًا بنسبة 275% للهروب من تراجع الجنيه خلال نفس الفترة، ولكنهم فقدوا هذه العوائد بمجرد تعويم سعر الجنيه في الشهر الماضي.
وأشار توفيق إلى أهمية عودة الأموال الساخنة إلى السوق المحلية لتنشيط سوق المال، مع رفضه استخدام البنك المركزي تلك الأموال في الاحتياطي النقدي والحفاظ على قيمة الجنيه.
وحذر من أن ذلك سيؤدي إلى هدر الزيادة في الاحتياطي من العملة الصعبة وإعادة الاقتصاد إلى فخ الأموال الساخنة، مثلما حدث بعد أزمة مارس 2022 التي أدت إلى فقدان البلاد نحو 22 مليار دولار من الاحتياطي النقدي في غضون أيام قليلة.
وأضاف أن صفقات الإنقاذ المالي التي تقدمها الدول الداعمة ومؤسسات التمويل الدولية لن تتجاوز 45 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل 38 مليار دولار منها خلال عام 2024.
وشدد على ضرورة وجود سياسات مالية واضحة تتوازى مع التشدد النقدي الذي يتبعه البنك المركزي لإنهاء الأزمة المالية وإخراج الدولة من المنطقة عالية المخاطر.
ولاحظ أن نظرة مؤسسات التصنيف الائتماني تغيرت من سلبية إلى مستقرة دون حدوث تغيير فعلي في علاج الأزمة الاقتصادية في مصر.
تمويل مرتفع وتكاليف أعلى
توقع نائب وزير المالية المصري أحمد كوجوك أن تستمر تكلفة التمويل للدول والمؤسسات في الارتفاع خلال الفترة القادمة، نتيجة لتغير توجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خفض الفائدة عدة مرات، والتي تسببت في تقلبات في الأسواق خلال الأشهر السابقة.
وأشار كوجوك إلى توقعات بتباطؤ في انخفاض أسعار الفائدة، وتباطؤ في معدلات التضخم داخل الولايات المتحدة، التي تؤثر في تغيرات أسعار الفائدة على مستوى العالم.
وأكد أن هذه التغيرات ستؤثر على مصر بشكل أبطأ وأقل من تأثيرها في الولايات المتحدة، بنسبة تصل إلى 4 أضعاف محلياً وضعفين عن المستويات في الاتحاد الأوروبي.
الحرب في غزة و تداعياتها الأقتصادية على مصر
وحذر كوجوك من استمرار التباين في أسعار الطاقة وعدم استقرار أسعار السلع الأساسية في الأسواق، مشيراً إلى تقارير مقلقة من خبراء صندوق النقد حول تداعيات الحرب في غزة التي ستؤثر سلباً على المنطقة.
أشار كوجوك إلى أن استمرار التوتر في منطقة البحر الأحمر سيؤدي إلى انخفاض كبير في صادرات دول المنطقة بنسبة تصل إلى 10٪، مما يؤدي إلى تباطؤ في معدل النمو بمقدار 1٪ سنويًا. وأظهر التقرير تراجعًا حادًا في البيانات الاقتصادية لدول المنطقة على مدى 20 عامًا حتى عام 2020، بما في ذلك مشكلة التضخم.
وأوضح كوجوك أن السلع الغذائية تشكل 45٪ من سلة التضخم، وهي العامل الرئيسي في تحريك أسعار السلع الغذائية في مصر، مما يؤثر بشكل كبير على معدل التضخم.
تغيرات عالمية تأثر على الدول الناشئة
وقد قدم الشريك التنفيذي عمر الشنيطي، الأستاذ في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تحليلًا للتغييرات التي تحدث في أسواق الدول المتقدمة، والتي تؤثر على اقتصاد مصر كمنطقة ناشئة.
وأشار إلى أن الدول الناشئة ما زالت تعاني من معدلات تضخم مرتفعة تتراوح بين 15٪ و20٪، ورغم التوقعات بتراجع التضخم نتيجة التغيرات العالمية، إلا أنه لم يحدث بشكل كاف، حيث لم تقم أي دولة ناشئة بخفض معدلات الفائدة لحماية قيمة عملتها وجذب الاستثمارات.
وأكد أنه حتى الآن لم يظهر تأثير التغيرات الإيجابية في معدلات نمو الناتج المحلي، حيث ما زال التضخم عند مستويات مرتفعة ما بين 33 و36% بسبب تخفيض سعر الصرف وارتفاع أسعار الطاقة، ونمو المعروض النقدي، وهو ما يرجح استمرار ارتفاع التضخم.
وأشار إلى أن أداء البورصة المصرية تعرض للتذبذب، حيث ارتفعت بنسبة 70% عام 2023، ووصلت إلى مستويات قياسية قبل التعويم، ولكنها عادت للانخفاض بعد التعويم، نتيجة لشراء الأسهم لغرض التحوط من المخاطر الاقتصادية وليس للإستثمار.