الدولة الإيرانية على الضفة الشرقية للخليج العربي، والتي تدين بالمذهب الشيعي الإثنا عشري قد طورت من استراتيجتها بعد ثورة الملالي المعممين إلى الحكم في فبراير”شباط” عام1979 كنواب عن الإمام الغائب بعد إزاحة حكم الشاه الشيعي العلماني صاحب العلاقات الجيدة مع أمريكا ومع محيطه العربي إلى درجة عقد المصاهرة بين ولي عهد الشاه”محمدرضا بهلوي” وبين الأميرة المصرية “فوزية” شقيقة الملك فاروق الأول، ثم جاء الخميني صاحب الإجتهاد في تولي الحكم رغم غياب الإمام المهدي-بحسب عقيدة الشيعة-
وانفجر بعدها التوتر والصدام بين أمريكا وخلفها اصطفت الأنظمة العربية!وبين نظام الحكم في طهران وذلك لأسباب متشعبة بعضها يعود إلى نظرية تصدير الثورة في دول الجوار وما تحمله من مخاطر زعزعة الإستقرار وتهديد الأمن القومي العربي، وبعضها يعود للتبعية الكاملة من الحكومات العربية لسياسات الغرب وتوجهاته والإلتزام الحرفي بغلق كافة سبل التفاهم مع إيران وانعدام أي درجة من درجات التسامح كالتي تبذل بسخاء في مساعي التطبيع مع تل أبيب والتي وصلت ذروتها بالترويج لصفقة القرن المشئومة والتي أطلق طوفان الأقصى رصاصة الرحمة عليها!..
محاولات إيران للتقارب مع جيرانها العرب رغم مضيها قدما في مشروعها
والحقيقة أن إيران حاولت في الحقبة الأخيرة تخفيف حدة التوترات السابقة مع العرب في نفس الوقت الذي برزت وقويت فيه أذرعها بالمنطقة في لبنان وسوريا واليمن مرورا بالعراق الذي اختطفته من محيطه السني ليس لبراعتها في عقد الشراكة الذي أبرمته مع المحتل الأمريكي لبغداد ولكن للضعف المخزي للحكومات العربية وللجامعة العربية التي ماتت ولم يعد لها وجود!
وكانت من أهم أبجديات الخطاب الإعلامي والسياسي للخارجية الإيرانية هو نصرة القضية الفلسطينية وإقامة علاقات قوية واستراتيجية مع حركات المقاومة ومع رموزها بخلاف الجماعات والتيارات الإسلامية العربية، ووضحت تلك الاستراتيجية في تصريحات وبيانات المرشد الأعلى للثورة ووزراة الخارجية، وقيادات الحرس الثوري، في ظل الجفاء الذي قدمته الحكومات العربية السنية لتلك الحركات حتى ألصق بها البعض صفة الإرهاب وشنعت بها أجهزة الإعلام وحيكت في سبيل تشويه صورتها الكمّ الكبير من الأعمال الدرامية،
حقيقة العلاقات التي تربط بين إيران وامريكا وخلفها اسرائيل؟
والسؤال الذي يحتاج منا إلى الإجابة حتى نعود إلى عنوان مقالتنا:
ما هي حقيقة العلاقة بين الدولة الإيرانية وبين دولة الإحتلال الصهيوني؟! وهل يستقيم عقلاً أن تشتبك الدولتان أم أن جميع التوترات الحاصلة بينهما لا تخرج عن توصيف المسرحية؟! كما يحلو لبعض الإسلاميين إطلاقه ممن يفكرون بمنطق الإختلاف العقائدي في تحليلهم السياسي!
لاشك أن للدولة الإيرانية مشروعها ومطامعها التي سطّرته في دستور ثورتها والذي كان له دوره الرئيس في صناعة التوتر مع الدول العربية، ولقد أجادت في عقد الشراكات مع الغرب لكنّ ذلك لم يمنع من إلتزامها بمبادئها في نصرة المقاومة وفي امدادها بما تحتاجه من أسلحة وذخائر ومسيرات، في نفس الوقت الذي تسعى فيه لصناعة الردع المتمثل في السلاح النووي لمواجهة المخاطر التي قد تتهددها في المستقبل حتى مع حلفاءها من الغرب حينما يسعون لتلجيمها عن تحقيق ما تصبوا إليه من أجل حليفتهم الإستراتيجية وابنتهم المدللة ورأس حربتهم في إذلال المنطقة العربية السنية “إسرائيل”!..
توترات تزيد الصراع
ومن أجل ذلك حدث في غير مرة بعض التوترات التي انتهت بإغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري”قاسم سليماني”-تذكيراً لمن يبالغون في توصيف الحميمية بين ايران وبين اسرائيل وأمريكا من خلفها!- بخلاف أحد عشر قائداً ومستشاراً عسكرياً ايرانياً اغتالتهم إسرائيل فيما بعد انطلاقة طوفان الأقصى في 7أكتوبر الماضي، ولقد كان الرد الإيراني دوما من خلال أذرعها في المنطقة: حزب الله اللبناني والحوثي اليمني بخلاف حلفائها بالعراق مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وأخواتهما وانتهاءاً بالنظام السوري الحليف الإستراتيجي لطهران..
حتى أقدمت حكومة بنيامين نتانياهو الغارقة حتى أذنيها في الحرب مع غزة من أجل تحسين الصورة وإعادة توحيد الجبهة الداخلية المهترئة وحشد الحلفاء الغربيين والدوليين خلفها مرة أخرى، على قصف القنصلية الإيرانية بدمشق فأدى إلى مقتل أكثر 16شخصاً بينهم اثنان من الضباط الإيرانيين و5مستشارين عسكريين تابعين للحرس الثوري بالإضافة إلى 5سوريين ولبناني واحد تابع لحزب الله جميعهم عسكريين بالإضافة لمدنيين آخرين..
ايران تثأر لنفسها ولا عزاء للعرب!!
ووجدت الدولة الإيرانية نفسها أمام اختبار كبير فالتفاهمات التي تسعى لعقدها مع أي طرف لا تعني قبولها بالإهانة -كما يحدث مع العرب!- فأعلنت من حينها أنها لن تسكت على ذلك الهجوم المتغطرس الذي نال قنصليتها-محمية دبلوماسية بموجب القانون الدولي- وأعدت عدتها، وقامت بعمليتها النوعية -لم تحارب!- وحددت أهدافاً متنوعة ما بين عسكرية وسياسية واستراتيجية، فضربت بعشرات المسيرات الموجهة للأراضي المحتلة -تجاوزت عددها 170مسيرة- فاستنزفت منظومة القبة الحديدية وحملّت الإحتلال خسائر مادية فادحة، حيث تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد التابع للقبة الحديدية 50ألف دولار!
لتتخطى خسائرها ال100مليون دولار، ثم أطلقت صواريخها البالستية بعد إلهاء القبة الحديدية، لتضرب القاعدة الجوية الإسرائيلية بالنقب بسبع صواريخ بالستية تلك التي انطلقت منها الطائرات الحربية التي قصفت قنصليتها “رامون”، وأرسلت رسائلها السياسية أن زمن عدم الرد على العربدة الإسرائيلية قد انتهى! وتقدمت خطوة استراتيجية هامة محسوبة فقامت بضربتها من الأراضي الإيرانية صوب اسرائيل ولم تقصرها على أذرعها في سوريا واليمن وسوريا والعراق.
خاتمة
إيران دولة قائمة على المذهب الشيعي الإمامي ولم تقل يوماً أنها نصيرة لأهل السنة ومن يعتقد ذلك فهو أبله! لكنها في دائرة المسلمين تنتصر للأقصى وللمجاهدين مع ضلالتها! فأين أنتم يا أصحاب العقيدة الناصعة؟! وربما لم تسلم غزة من إرجائكم وخذلانكم لها بل وانتظار بعض المحسوبين على الدعوة والمنابر زوراً هزيمة المقاومة حتى يطلقوا ألسنتهم حداداً على غزة وتشفياً في المقاومة الأبية.