صحافة غربية: السودان يعتبر موقعًا لأسوأ الكوارث الإنسانية في العالم في الذاكرة الحديثة
سلطت العديد من الصحف الغربية الضوء على حرب السودان بمناسبة مرور عام على بدئها. تناولت هذه الصحف الوضع الإنساني المأساوي في البلاد وانهيار الدولة وفشلها، وأشارت إلى عدم وجود أي مؤشر على انتهاء الحرب قريبًا، وتجاهل المجتمع الدولي للأزمة.
نشرت صحيفة “تلغراف” البريطانية مقالًا للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي وصف الوضع الصحي في السودان بأنه كارثي. أكد أن البلاد تواجه أزمة إنسانية مدمرة وانهيارًا في النظام الصحي، وأشار إلى أن فقط 30% من المرافق الصحية تعمل.
توقع غيبريسوس تفاقم الوضع في الأشهر المقبلة مع بدء موسم الأمطار، وطالب بضرورة وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود والممرات الإنسانية. دعا جميع الأطراف إلى احترام القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان ووقف الهجمات على الصحة.
أعرب عن استعداد المنظمة لتوسيع نطاق عملياتها، ولكنه أكد أنهم بحاجة إلى دعم المانحين لتحقيق ذلك، حيث أشار إلى أن قطاع الصحة يعاني من نقص في التمويل بنسبة تقل عن 12%. حذر من أن الوقت ينفد.
حمام دم
في “تلغراف”، يقول مراسلها في أفريقيا، بن فارمر، أن السودان أصبح “ملعبا ملطخا بالدماء” بعد مرور عام على “الحرب المنسية”، ويتجه بسرعة نحو المجاعة. وتشير التوقعات الأسوأ إلى وقوع 10 آلاف حالة وفاة يوميا في الأشهر المقبلة.
ويضيف بن فارمر أن الحرب في السودان لم تحظ بالتغطية اللازمة من وسائل الإعلام الغربية بسبب الصراعات في أوكرانيا وغزة. ونقل عن مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين قوله إن اللاجئين السودانيين يمكن أن يتجهوا إلى أوروبا إذا لم يتم تكثيف المساعدات الإنسانية.
ويواصل بن فارمر قائلاً إن السودان أصبح ملعباً للقوى الإقليمية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وروسيا، التي تسلح وتدعم الأطراف المتحاربة. ويتوقع أن تجعل هذه الحرب السودان مكاناً لأسوأ الكوارث الإنسانية في العالم في الذاكرة الحديثة.
ونقل عن الخبير السوداني المخضرم أليكس دي وال قوله إن هذه الحرب “وحشية ومدمرة ولا تظهر أي علامات على نهايتها”.
مستقبل دولة فاشلة
أشارت مجلة “إيكونوميست” البريطانية في تقرير نشرته إلى أن السودان يتجه بسرعة نحو أن يصبح دولة فاشلة بعد عام من الحرب، حيث أصبحت أكبر دولة في العالم من حيث عدد النازحين داخليا والمعرضين لخطر المجاعة، وأن 95% من احتياجاتها لا تجد تمويلا.
وأوضحت المجلة أن الصراع في السودان كان بين كتلتين مسلحتين تحت قيادة محددة، لكن الآن هناك فسيفساء من المليشيات وحركات التمرد، كل منها له مصالحه وأجندته الخاصة، وأن الأسلحة والمرتزقة يتدفقون من دول مثل تشاد وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وعبر البحر الأحمر، بالإضافة إلى انضمام مقاتلين من بلدان بعيدة مثل روسيا وأوكرانيا إلى الصراع.
وتوقعت المجلة أن تضرب المجاعة معظم السودان بحلول يونيو/حزيران المقبل، مما قد يؤدي إلى وفاة ما يصل إلى مليون شخص وفقا لبعض السيناريوهات.
أكبر أزمة غذائية منذ القرن ال 19
قالت نسرين مالك، كاتبة العمود في صحيفة “غارديان” البريطانية، إن الأزمات الغذائية السابقة في السودان قد تمت توطينها، وأن البلاد تشهد الآن حالة طوارئ غذائية على مستوى البلاد، وهو شيء لم يحدث منذ القرن التاسع عشر.
وأشارت إلى أنه بعد عام كامل من الحرب وتراكم الجثث في العراء في السودان، لا يزال العالم يتجاهل الأمر.
وأضافت أن هذه الحرب ليست حربًا أهلية فحسب، بل هي حرب ضد المدنيين، حيث تعاني منازلهم وسبل عيشهم وحياتهم من الأضرار الجانبية.
وأكدت أن هذه الحرب، على الرغم من كل ما تسببت فيه، لم تكن حتمية، ولم تكن مصيرًا متوقعًا لبلد مثل السودان، الذي يعتبر واحدًا من أكبر البلدان في أفريقيا، ويتمتع بساحل متلألئ على طول البحر الأحمر، ومساحات شاسعة من الأراضي الخصبة حتى خارج حوض نهر النيل، وتنوعًا ثقافيًا وعرقيًا يمكن استغلاله لتعزيز التقارب العربي الأفريقي.
نزوح كامل
قالت الكاتبة إن النزوح واللجوء اتسعا بشكل كبير، حيث نزح جميع الأشخاص الذين تعرفهم في مسقط رأسها بالسودان من منازلهم. فبعضهم نزح داخل البلاد، وذلك للمرة الثالثة أو الرابعة، برفقة الأصدقاء أو الأقارب بسبب وصول الحرب إلى مناطقهم. والبعض الآخر نزح خارج البلاد. وقد غادروا جميعًا، بما في ذلك عائلتها، وحملوا ما استطاعوا حمله قبل أن تقتحم قوات الدعم السريع منازلهم وتستولي على ممتلكاتهم.
وأكدت مالك أن هذه الحرب جذبت لاعبين خارجيين مؤذين وغير مبالين سوى بأنفسهم.
وأضافت أن هذه الحرب مختلفة عن الحرب في دارفور التي شنت في السنوات السابقة، حيث جذبت المشاهير والسياسيين وحتى المحكمة الجنائية الدولية. وهي أيضًا مختلفة عن الحرب بين الشمال والجنوب التي جذبت الكثير من المناصرة والضغط السياسي وأدت في النهاية إلى توقيع اتفاق سلام وانفصال. وهذه الحرب ليست كالصراعات السابقة التي كانت تُصوَّر على أنها صراع بين المسلمين والمسيحيين أو العرب والأفارقة، مما يثير التعاطف والغضب.
لا توجد دولة في اجزاء من السودان
قال الكاتب إيشان ثارور في مقاله في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية أن الحرب في السودان كانت تحولًا محزنًا للأحداث. في السنوات السابقة، شهد السودان تحولًا نحو الديمقراطية مما أدى إلى تعزيز علاقاته مع الحكومات الغربية وتخفيف العقوبات الأميركية. ومع ذلك، فإن الحرب ألغت كل ذلك وأدت إلى انهيار الدولة السودانية في أجزاء كثيرة من البلاد.
ونقل الكاتب تصريحات مجموعة الأزمات الدولية التي أشارت إلى أن السودان يواجه الآن خطر الفوضى والمجاعة الجماعية والحرب التي قد تنتشر إلى الدول المجاورة المضطربة بالفعل.
المصدر: (الجزيرة نت, وكالات)