“سرقة تمثال أوزريس من المتحف المصري” كيف تمت؟ وهل هذه المرة الأولى؟
نشر خبر عن إحالة ثلاثة مسؤولين في المتحف المصري الكبير إلى محكمة الجنايات بتهمة سرقة تمثال الإله “أوزوريس” وتهريبه إلى الخارج.
ومع ذلك، تم حذف الخبر بسرعة من الصحف والمواقع الإلكترونية، وتم منع نشر أي معلومات حول تفاصيل التحقيقات في هذه القضية التي وصفت في الأخبار المحذوفة بأنها “أكبر قضية فساد بوزارة الآثار”.
ويستند هذا التقرير إلى شهادات من مصادر داخل مركز ترميم الآثار بالمتحف الكبير، وجزء مسرب من تحقيقات نيابة الأموال العامة التي استمرت لمدة أربعة أشهر من ديسمبر 2023 إلى أبريل الحالي.
وقد تم إحالة ثلاثة من أصحاب الوظائف القيادية في المتحف المصري الكبير إلى محكمة الجنايات بتهمة سرقة تمثال الإله أوزوريس المصنوع من البرونز من داخل أحد مخازن المتحف.
كان القدماء المصريون يعتبرون الإله “أوزوريس” مقدسًا ويعتبرونه “إله الموتى”، وفقًا لموقع المتحف المصري. وكان يُصف بأنه سيد العالم السفلي، وهو ابن “جب إله الأرض” و”نيت إلهة السماء”، وزوج “إيزيس إلهة الأمومة والسحر والخصوبة”.
ونظرًا لهذه القدسية، قام المصريون القدماء بنحت العديد من التماثيل لأوزوريس تعبيرًا عن تقديرهم له. ولذلك، هناك العديد من النسخ الأصلية لنفس التمثال في أماكن مختلفة، وتم عرض بعضها في مزادات خارج مصر بعد أن تم سرقتها.
كيف تم نقل تمثال أوزوريس البرونزي إلى المتحف الكبير؟
تم نقل التمثال المصنوع من البرونز الخام إلى المتحف المصري الكبير عام 2012 من المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية. وصل التمثال لينضم إلى مجموعة أخرى من القطع المشابهة لأوزوريس التي نُقلت من المتحف المصري القديم بالتحرير، وتعود كل منها لحقبة زمنية مختلفة في تاريخ مصر القديمة.
وبسبب عدم استكمال إنشاء وتجهيز صالات عرض القطع الأثرية في ذلك الوقت، تم وضع غالبية القطع في المخازن للحفاظ عليها وحمايتها من العوامل البيئية.
وفقًا لتحقيقات النيابة، تم نقل التمثال إلى مخزن الآثار غير العضوية رقم 91 وظل هناك لمدة ثلاث سنوات حتى عام 2015.
كيف تمت سرقة التمثال؟
في عام 2015، تعاون المدير المتهم الأول للمخزن مع آخرين للاستيلاء على التمثال ونقله خارج المتحف دون أن يتم اكتشافه.
وبعد ذلك، تم ترقية المدير المتهم الأول من منصب مدير المخزن في قسم الترميم إلى رئيس قسم الآثار اليونانية والرومانية في المتحف.
حاول المدير المتهم الأول إخفاء أدلة السرقة بالتعاون مع المدير المتهم الثاني، الذي كان سابقًا مدير إدارة المخازن الأثرية والتسجيل في مركز ترميم الآثار، والمدير الحالي لإدارة اختيار القطع الأثرية للعرض في المتحف، والمدير المتهم الثالث لشؤون الآثار والمعلومات والمسؤول عن قاعدة البيانات الإلكترونية. تعاونوا للتلاعب في قاعدة بيانات الآثار المخزنة، حيث قاموا بتبديل بيانات التمثال الأصلية ببيانات قطعة معدنية مقلدة.
عملة معدنية من العصر اليوناني تم اكتشافها
في عام 2023 بعد ثمان سنوات من اختفاء تمثال قديم. بدأت إدارة المتحف في نقل التماثيل والمقتنيات إلى صالات العرض بعد اكتمال بناء المتحف الجديد بنسبة 90%. تم اكتشاف أن التمثال الأصلي قد اختفى وتم استبداله بعملة معدنية مقلدة.
تم تسجيل كل تمثال ينقل إلى المتحف الجديد برقم تسلسلي وتوثيقه في سجلات المتحف. وبجانب ذلك، تم تسجيل هذا الرقم في قاعدة بيانات إلكترونية. ومع ذلك، اختفى الرقم التسلسلي من السجلات الورقية والإلكترونية، ووجدت بيانات عملات معدنية مزيفة مسجلة بنفس الرقم الكودي الخاص بالتمثال.
تم إبلاغ الجهات المعنية بالحادثة وتم فتح تحقيق داخلي. تم اتهام 10 أشخاص بالمسؤولية عن اختفاء التمثال، ولكن فقط 3 منهم اعترفوا بأنهم باعوا التمثال وهربوا به إلى الخارج في عام 2015 مقابل مبلغ مالي كبير.
استمرار التحقيقات
تمت تحقيقات النيابة في القضية بعد مرور حوالي أربعة أشهر، حيث تم إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات. وتم توجيه تهمة سرقة التمثال الأثري، الذي يُصنف من آثار الدولة، إلى المتهم الأول والرئيسي في القضية. كما تم اتهامه بسرقة الأوراق الخاصة بالتمثال التي تم تسليمها له عند نقل التمثال إلى المتحف في أكتوبر 2012.
وتم توجيه تهمة معاونة المتهم الأول إلى المتهمين الآخرين، حيث قاموا بحذف بيانات التمثال الأثري من قاعدة البيانات وإدخال صورة وبيانات لعملة معدنية مُزيفة تشبه الآثار الأصلية التي تعود للعصر الروماني والبطلمي بدلاً منها.
واقعة سرقة متكررة
أكد أستاذ الآثار في كلية الآثار بجامعة القاهرة أن الواقعة التي حدثت مؤخرًا ليست الأولى من نوعها، حيث تكررت حالات سرقة الآثار أثناء نقلها من متحف إلى آخر.
وأشار إلى واقعة سابقة حدثت في عام 2007، عندما تم نقل بعض القطع الأثرية من متحف الفن الإسلامي بباب الخلق إلى متحف الحضارة المصرية بالفسطاط، حيث تعرضت 3 قطع أثرية للسرقة.
وتم اكتشاف تلك الواقعة بعد مرور 7 سنوات فقط، عندما تم جرد مخازن المتحف وتبين أن تلك القطع تعود لعصر المماليك وقد تمت سرقتها وبيعها في مزادات خارج مصر.
ويعتقد أستاذ الآثار أن تمثال أوزوريس الذي تم سرقته تم اختياره بعناية من قبل مجموعة من الخبراء الذين يتابعون القطع الأثرية أثناء نقلها وتخزينها لمحاولة تهريبها دون اكتشاف.
ويشير إلى أن القطع المسروقة تباع بعد فترة زمنية طويلة في المزادات العالمية، حيث تتبع العصابات نظامًا يعتمد على إخفاء القطع لأطول فترة ممكنة قبل بيعها.