مدينة إسكندرية أسطورة تاريخية علي مر العصور
في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر في بابل في عام 323 قبل الميلاد، تعرضت إمبراطوريته الضخمة لصراعات وصراعات داخلية بين قادته. لكن فيما بعد، تمكن الجنرال بطليموس الأول، أحد أعوان الإسكندر، من الاستيلاء على مصر والحكم عليها. وهنا بدأت مرحلة جديدة من التاريخ المصري، حيث ازدهرت المملكة البطلمية تحت حكم أسرة بطلمية لأكثر من 300 عام
أسس الإسكندر الأكبر المدينة التى تحمل اسمه على ساحل البحر المتوسط فى 7 أبريل 331 ق.م، على أطلال مدينة مصرية قديمة كانت تسمى رع قدت أو راقودة، وقرر الإسكندر بناء المدينة الجديدة لتكون عاصمة للإسكندرية المقدونية. تم اختيار الموقع بعناية بسبب موقعها الاستراتيجي كميناء بحري رئيسي ومركزاً تجارياً مهماً. وبنى الإسكندر المدينة وفقاً لتصميم هليني قياسي، وأسس أيضاً مكتبة الإسكندرية والتي أصبحت واحدة من أكبر المكتبات في العالم القديم.
بعد وفاة القائد الشهير ألكسندر الأكبر، تم تقسيم إمبراطوريته إلى عدة ممالك صغيرة، وكانت مصر من نصيب القائد بطلميوس الأول سوتير “305-285 ق.م”. قام بطلميوس بتأسيس دولة تحمل اسمه، وأصبحت مصر تحت حكم اليونانيين تحت اسم دولة البطالمة “332-30 ق.م” أدى هذا الحكم إلى تطور الثقافة والعلوم في مصر، حيث ازدهرت المكتبات والمدارس في الإسكندرية، التي أصبحت عاصمة لحكم البطالمة وأكبر مدينة في شرق البحر المتوسط.
فقد حكمت دولة البطالمة مصر لمدة نحو ثلاثة قرون، وأسس بطليموس الأول مدينة جديدة على ساحل البحر المتوسط وأطلق عليها اسم الإسكندرية، تيمناً بالفاتح العظيم وشكلت الثقافة الهيلينستية جزءًا أساسيًا من المجتمع المصري خلال تلك الفترة. وكانت الإسكندرية تحتوي على ميناء نشط
ومع انتشار حكم البطالمة في مصر، شهدت البلاد تنمية كبيرة في مجالات الثقافة والعلوم والتجارة. وازدهرت العلوم والأدب والفنون في مصر وأسس بطلميوس الأول المكتبة الشهيرة في الاسكندرية، التي كانت واحدة من أكبر المكتبات في العالم القديم وأحد أهم المراكز الثقافية والفلسفية. وهكذا، ترك تأسيس الإسكندرية بصمة عميقة في التاريخ الإنساني، ولا تزال مدينة الإسكندرية تستمر في أن تكون مركزاً حضاريًا وتجاريًا مهمًا حتى اليوم
واحدة من أهم المعالم الأثرية في الإسكندرية هي عمود دقلديانوس، المعروف أيضًا باسم عمود السوارى. يعود تاريخ بناء هذا العمود إلى نهاية القرن الثالث الميلادي، تحديدًا في عام 290 م. يقع العمود بالقرب من موقع السيرابيوم، الذي كان يعد المعبد الرئيسي للإله سارابيس، الإله القومي لمصر في تلك الحقبة. تم تدمير المعبد عندما حظر الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الوثنية في عام 391 م.
بالرغم من هذا التدمير، إلا أن الإسكندرية لم تفقد كل معالمها التاريخية. فهناك معالم أخرى مهمة نجت من الهلاك، مثل فاروس الإسكندرية الكبير ومكتبة الإسكندرية ومقبرة الإسكندر الأكبر. إن هذه المعالم الأثرية تعتبر شاهداً على ثراء تاريخ الإسكندرية وتراثها الغني الذي يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
وكتاكومب كوم الشقافة تعد واحدة من الآثار الرائعة المتبقية في الإسكندرية اليوم. وتعود إلى العصر الروماني وتقع بالقرب من السيرابيوم. وتتضمن الكتاكومب سراديب الموتى بهندسة يونانية كلاسيكية ومقابر ثلاثية الأبعاد ومنطقة لتقديم الطعام المستخدمة أثناء مراسم الجنازة. تجمع اللوحات الجدارية والنقوش بين المعتقدات والتقاليد الفنية المصرية واليونانية القديمة.
وتعتبر جبانة كوم الشقافة بالفعل أحد أهم آثار الإسكندرية التي تعود إلى العصر الروماني. وتحتوي الجبانة على مقابر ومراسم دفن تعكس تأثير الثقافة المصرية واليونانية القديمة. وإن هذا الموقع هو شاهد على التأثير العظيم الذي كان لهذه الثقافات القديمة على تاريخ الإسكندرية وما زال يثير إعجاب الزوار حتى يومنا هذا.
وتعتبر منطقة كوم الدكة من أجمل المواقع الأثرية في مصر والتي يعود تاريخها يعود إلى الفترة الرومانية والبيزنطية. تضم الموقع العديد من البنى الأثرية غير الجنائزية، مثل المسرح الروماني والحمامات وقاعة المحاضرات ومنازل الطبقة الأرستقراطية، التي تتميز بزخارف الفسيفساء الجميلة، بالإضافة إلى ورش العمل. يعد هذا الموقع مقصداً سياحياً رائعاً حيث يمكن للزوار استكشاف واستمتاع بجمال وتاريخ هذه البقايا القديمة.
بالإضافة إلى ذلك، قام البطالمة بتعزيز الإدارة والحكم في مصر، وتوسيع نفوذهم وسط الأمم الأخرى. استمر حكمهم لأكثر من ثلاثة قرون حتى وصول الرومان، الذين استولوا على مصر وأنهوا حكم البطالمة.
وبالرغم من محنتها التي عانت منها المدينة القديمة على مر العصور، إلا أن مدينة الإسكندرية مازالت تحافظ على مجدها وتاريخها العريق. فقد تعرضت المدينة للتدمير على يد الملكة زنوبيا في عام 259 ميلادية، وتأثرت أيضًا بعدة زلازل كبرى خلال العصور القديمة والوسطى.
وعلى الرغم من انتهاء حكم البطالمة، إلا أن تأثيرهم لا يزال موجودًا في مصر حتى اليوم. تركوا إرثًا ثقافيًا غنيًا ومتنوعًا يبرز تعددية ثقافات البلاد وإرثها العريق. إن القاهرة الحديثة، عاصمة مصر، تحتضن ما تبقى من معالم وآثار البطالمة، مما يجعلها جاذبة للسياح والباحثين عن الثقافة والتاريخ.
وبهذا الشكل، يبقى العصر البطالمي فترة مهمة في تاريخ مصر، حيث شهدت المملكة نمواً وازدهاراً في المجالات الثقافية والعلمية والتجارية، وتركت تأثيراً بارزاً على التاريخ والثقافة المصرية.
ومع كل هذه الصعوبات والتحديات، بقيت آثار المدينة ومجدها حية في ذاكرة الرحالة الإغريق والرومان. وفي السنوات الأخيرة، بدأت عمليات الكشف عن الآثار الغارقة مما أسفر عن اكتشاف آثار وتماثيل ضخمة في ميناء البطالمة والمقر الملكي الساحلي.