ليغضب من يغضب، ويسعد من يسعد..
د. أيمن نور
استيقظت صباح 27 رمضان الموافق السادس من إبريل 2024 على نبأ رحيل الدكتور أحمد فتحي سرور
. أستوقفني للوهلة الأولى التاريخ، وأصابني النبأ، بحالة من الارتباك الشعوري، فتزاحمت الصور والأحداث في ذاكرتي،
واختلطت المشاعر المتناقضة بين حبي الشخصي للرجل، الذي حاولت لأكثر من ربع قرن أن أخفيه في صدري ولا أُفصح عنه
وبين خليط من المواقف والذكريات الملونة بكل ألوان الخلافات السياسية، خلال رحلة برلمانية، قاربت العقدين من الزمان
بدأت علاقتي بالدكتور سرور، في تاريخ سابق عما يعرفه الكافة، فكان الدكتور سرور رئيسًا للجنة الحقوق والحريات باللجنة التحضيرية لوضع دستور 1971، وكان والدي مقررًا لهذه اللجنة أمام البرلمان .. وكان أول لقاء لي مع الدكتور سرور عام 1990 وهو وزيرًا للتعليم العالي والبحث العلمي،
عندما ابتعثني بقرار منه لبعثة خارجية لنيل درجة الدكتوراة رغم انتمائي لحزب “الوفد” الذي كان في هذا الوقت أكثر الأحزاب معارضة لنظام مبارك
. وعندما التقيت به في أول جلسة ببرلمان 1995، جلست لجواره على المنصة، بوصفي أصغر الأعضاء سنًا، فقال لي مازحًا : “أنت خلصت البعثة بسرعة أوي، كنت خليك شوية بدل ما تغَّلبني مناهدة هنا”!!
.. ولم أخيب ظن الدكتور سرور، وقضينا سنوات من المحاججة بين التلميذ والأستاذ، وصلت في بعض الأحيان للصدام، ولكن بكل احترام متبادل.. يومًا أهداني الدكتور سرور، نسخة من مؤلَف جديد له، عن القانون الجنائي، والحقوق الدستورية، وفي مرات عديدة كنت احتج بمؤلَفه هذا،
في مواجهة تشريعات تُناقش في البرلمان وبها عوار دستوري، وكان شاهدي هو مؤلَفه، فقال مازحًا في إحدى الجلسات العامة : “لم أندم في حياتي على تقديم هدية قدر ندمي على إهدائك هذا الكتاب”!!
.. أنا لا استعرض بهذا النذر البسيط من الذكريات، إلا تفسيرًا لبعض من لا يعرف سر ارتباك مشاعري تجاه رحيل رجل بقيمة علمية لم يصادفني في حياتي مثلها، رغم أنه كان طرفًا في عسفٍ لم يصادفني مثله في حياتي!!
.. ليس سرًا .. أن الفقيه، والمُعلم، الذي تعلمت منه في ساحة البرلمان أضعاف ما تعلمته في قاعات العلم، وساحات القضاء، كان الشيء ونقيضه في كثير من الأحيان -ربما مثل كل البشر-
.. كان عنيدًا عنيفًا في قليل من الأحيان، وديعًا متسامحًا لينًا طيعًا مهذبًا في معظم الأحيان، فالرجل الكبير، في علمه، وفقهه، وحُجته، ولغته، كان طفلاً صغيرًا، في قلبه، سليمًا في نيته، بشوشًا حتى لو اشتد الخلاف في الرأي معه – يفعل مع كل خطأ يرتكبه، صوابًا يبرر به لنفسه الخطأ..
.. عندما أصدر قرارًا من منزله (5 شارع دار الشفاء بجاردن سيتي) برفع الحصانة عني ليلاً، لتسهيل اعتقالي يوم 21 يناير 2005 من داخل البرلمان، تعمد وضع ساعة التوقيع أسفله، وكانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ليشير أن هناك من مارس عليه ضغوطًا عليا للتوقيع في هذا التوقيت..
.. يومًا كتبت في مقال واصفًا تناقض بعض ملامح شخصية الدكتور سرور “أنه قفاز من حرير يخفي قبضة من حديد” وكانت المفاجأة أنه سعد جدًا بهذا الوصف، وكان يستخدمه كثيرًا في وصف نفسه بعد أن ينسبه لشخصي..
.. وعلى العكس غضب غضبًا شديدًا عندما وصفته يومًا أنه حسين رياض السياسة المصرية، وكان سبب غضبه الذي أدى لمقاطعة بيني وبينه لشهور، أن الفنان الكبير حسين رياض كان مشهورًا بين أبناء جيله، أنه رجل طيب في السينما -فقط- بينما هو عكس هذا تمامًا في حقيقته!!
عكس الفنان محمود المليجي الذي كان يظهر شريرًا في السينما وهو في الحياة بالغ الطيبة!!
.. وعندما تصالحت مع الدكتور سرور، بعد شهور من المقاطعة وبتدخل من الوزير كمال الشاذلي الذي جمعنا في منزله للمصالحة سألته عن سر غضبه من وصفي له بحسين رياض السياسة،
فقال لي الجالس إلى جوارك -مشيرًا للوزير كمال الشاذلي- هو الذي قال لي أن الهدف من هذا الوصف هو وصفي ونعتي بالشر والبخل كما كان معروفًا عن حقيقة حسين رياض،
فقلت للدكتور سرور اعتذاري لك سيكون في مقالي غدًا، والذي سيكون عنوانه فتحي سرور محمود مليجي السياسة المصرية!!
فضحك الجميع بصفاء نية وانطوت صفحة خلاف لم يستخدم فيه الرجل سلطته كرئيس للبرلمان المصري والدولي، بل كان بقلب الطفل الذي أحببته وأسأل الله أن يغفر له.. بقدر علمه، ويسامحه على بعض عمله.
موقع أخبار الغد ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، أخبار الغد موقع الكتروني مستقل متخصص بنقل ومتابعة وتحليل الأخبار ويختص بكل ما يدور بالشرق الأوسط والعالم ويغطي الاحداث ساعة بساعة. لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة