نادر فتوح
انطلق الثلاثاء الماضي ما يعرف بحفل تنصيب السيسي لولاية جديدة، أقيمت فيها الأفراح والليالي الملاح،
ابتهاجا بالتنصيب، وفرحا بعهد جديد بدأه السيسي بالقسم على احترام الدستور والقانون،
والحفاظ على الوطن وحرية وسلامة أراضيه
ولم تمض ساعات قليلة على خطاب التنصيب
الذي أُعلن فيه عن ميلاد الجمهورية الجديدة، إيذانا بمرحلة جديدة “
على حد قولهم”، ومع انتهاء اليوم فوجئنا باعتقال عدد من النشطاء بعد وقفة رمزية “بالعيش الحاف والماء”،
تنديدا بحرب الإبادة على غزة أمام نقابة الصحفيين، تخللها بعض الهتافات التضامنية مع غزة
، ودعوات لفتح المعابر، واستنكار للتضييق على قطاع غزة.
الدبة التي قتلت صاحبها
واعتقد أن من اتخذ قرارا باعتقال هؤلاء الشباب، من بينهم فتاة “نور عادل” لم يكن في مخيلته وقتها أنه بإقدامه على اعتقالهم
سيكون مثل “الدبة التي قتلت صاحبها”،
حيث أوصل رسالة ضمنية ومبطنة أن ما سمعتموه خلال الأشهر الماضية من وسائل إعلامية،
وجهات رسمية عن مرحلة جديدة في جمهورية جديدة،
فيها ما فيها من النعيم والرفاهية تضع مصر في مصاف الدول المتقدمة، لم يكن سوى مشهد من مشاهد الاستعراض بلا دليل يؤكده
، حيث مثل اعتقال النشطاء ضربة قاصمة للجمهورية الجديدة نفسها، لتصل الرسالة واضحة،
لا يوجد تغيير في السياسات، ولا في التوجهات، لن نسمح بحرية الرأى، والفكر، والتعبير،
لن نسمح بتظاهرات سلمية، ولا هتافات تضامنية، لن نقبل انتقاد، ولن نسمح به، حتى لو كانت هذه التظاهرات،
وتلك الوقفات تضامنا مع قضية محورية تشغل بال العالم بأسره مثل قضية فلسطين.
تغيير السياسات
ويبدو أن النظام الحاكم ينظر إلى الجمهورية الجديدة على أنها بضع مبان، وعدد من الكباري،
ومجموعة من البنايات الضخمة، ولا يمنع الافتخار بأكبر مسجد، وأكبر كنيسة، وأكبر سجادة، وأكبر نجفة،
وأكبر ساري علم، وأروع قبة برلمان، في الوقت الذي لم تتبدل فيه السياسات، ولم تختلف فيه الرؤى، ولم تتغير فيه التوجهات.
بناء العقول والتوجهات
يا سادة بناء العقول، وإصلاح الرؤى والتوجهات أفضل من بناء الواجهات، والتفنن في الديكورات، بناء حياة كريمة حقيقية
هى ما ينشده المواطن، ويسعد به المجتمع، الاستفادة من الطاقات المهدرة للشباب الواعد أعظم بكثير من الزج به في غياهب السجون
من إجل هتافات لغزة، أو حتى اختلاف في الرؤى.
لن يستقيم الحال ، ولن تنعم الجمهورية باحتفالات ضخمة ومبان عالية، وديكورات مُبهجة،
بدون رؤية متغيرة لإدارة البلاد، تتحول فيها الخطابات الرنانة، لواقع يلمسه المواطن البسيط في أحد النجوع النائية في بر مصر،
مع مصالحة مجتمعية شاملة بلا إقصاء ولا تهميش
وفتح المجالات لكافة أطياف المجتمع للتعبير عن آرائهم بكل حرية، دون خوف أو تربص، وإلا فأقيموا الاحتفالات،
وأنفقوا المليارات، وأرفعوا البنايات، ولن تحصلوا على ما تتطلعون من نتائج،
لإن ذلك سيذهب هباءا منثورا في ظل ما يراه المواطن من حياة ضائعة، وكرامة مهدرة.