التقدير الاستراتيجي (135): عوامل تحديد السياسة الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في قطاع غزة وتوجهاتها المستقبلية

^{تفاعلت الولايات المتحدة بشكل كبير في إدارة الصراع الدائر حول طوفان الأقصى، وأظهرت تضامناً كاملاً مع إسرائيل في حربها على قطاع غزة. على الرغم من انشغالها بالصراع مع روسيا في أوكرانيا والتنافس مع الصين، إلا أنها اضطرت للتدخل بقوة في المنطقة بسبب تهديد ترتيباتها الإقليمية.}

^{رغم وجود تباينات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، إلا أنها لم تؤثر على الأهداف المشتركة بين البلدين. وتبقى هذه الخلافات مؤقتة وشخصية بعض الشيء بين الرئيس بايدن ونتنياهو وحلفائه. ولم تتحول إلى خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.}

^{من المهم معرفة السياسة الأمريكية التي توجهت بها الولايات المتحدة في هذا الصراع، وما هي التوجهات المستقبلية المتوقعة حتى نهاية العام الحالي.}

تلخيص السلوك الأمريكي في التفاعل مع المعركة في غزة يمكن أن يكون على النحو التالي:

1. ^{دعم الولايات المتحدة الكامل وغير المحدود لإسرائيل وتوفير متطلبات استمرار الحرب.}
2. ^{التبني الكامل للرواية الإسرائيلية وتبرير الجرائم الإسرائيلية ونفي ارتكابها لجرائم حرب.}
3. ^{إرسال البوارج الحربية لتأكيد الدعم لإسرائيل ومنع التدخل الإيراني وتوفير الوقت لتحقيق أهداف إسرائيل.}
4. ^{تعطيل قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل وتلزمها بوقف إطلاق النار.}
5. ^{ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية لإجراء تعديلات جوهرية لتولي إدارة الأمور في غزة بعد الحرب.}
6. ^{ممارسة الضغوط على الدول العربية والإسلامية لعدم إصدار قرارات سياسية ضد الحرب.}
7. ^{دعوة إسرائيل للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية وتجنب استهداف المدنيين.}
8. ^{القيام بعمليات إنزال جوي للمساعدات وإنشاء رصيف قبالة شاطئ غزة لتوفير آلية لإدخال المساعدات.}
9. ^{دعوة لفتح مسار سياسي للصراع وتحقيق حل الدولتين.}
10. ^{مواصلة الجهود لدفع مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي وتحقيق صفقة تلبي المطالب السعودية.}

ثانياً: نقاط التوافق والاختلاف بين المواقف الإسرائيلية والأمريكية:

^{بدأت الولايات المتحدة بالتماهي مع أهداف إسرائيل في الحرب منذ البداية، مع التركيز على تحقيق الانتصار العسكري والقضاء على المقاومة الفلسطينية، وضمان عدم تهديد أمن إسرائيل في المستقبل، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وتغيير الوضع السياسي في غزة، وإنهاء حكم حماس.}

^{ومع ذلك، كان هناك اختلاف في بعض التفاصيل حول كيفية إدارة الحرب، حيث انتقد مسؤولون في الإدارة الأمريكية والحزب الديمقراطي سلوك نتنياهو وحكومته وقادة اليمين المتطرف في إسرائيل. وأكد الرئيس بايدن أن نتنياهو يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها، وانتقد إدارته للحرب في غزة. وفي الوقت نفسه، انتقد تشاك شومر، رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي، نتنياهو واتهمه بأنه يعرقل السلام ويستجيب لمطالب المتطرفين. ودعا شومر إلى إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، معتبراً أن حكومة نتنياهو لم تعد تلبي احتياجات إسرائيل بعد خمسة أشهر من الحرب.}

من بين النقاط التي تثير الخلاف بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو، يمكن الإشارة إلى:.

1. ^{هناك اختلاف حول من يجب أن يدير قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. ترى الإدارة الأمريكية أن السلطة الفلسطينية المتجددة هي الأكثر مؤهلة لتولي إدارة القطاع، وتؤيد فكرة وجود قوة عربية أمنية للحفاظ على الأمن في القطاع. بينما تعتبر حكومة نتنياهو دور السلطة في إدارة القطاع غير مرغوب فيه وتسعى لتشكيل صيغة محلية للإدارة تتكون من وجهاء عشائر في غزة، ولكن هذه المحاولة فشلت بسبب رفض الوجهاء أي صيغة جديدة للإدارة بدون موافقة إدارة غزة التي تشرف عليها حماس.}
2. ^{هناك خلاف حول كمية المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة. تواصل الإدارة الأمريكية دعوتها للجانب الإسرائيلي للسماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ولكن الجانب الإسرائيلي رفض تلك الدعوات واستخدم سياسة التجويع ومنع دخول المساعدات للضغط على المقاومة وتحريض الحاضنة الشعبية ضدها.}
3. ^{هناك خلاف حول حجم العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي في القطاع وحول الانتقال إلى مرحلة العمليات المحدودة لتقليل الخسائر البشرية. تأخر الجانب الإسرائيلي في الانتقال إلى تلك المرحلة واستمر في ارتكاب جرائمه في القطاع، ولم تصدر الإدارة الأمريكية انتقادات لجرائمه أو تمارس ضغوطًا لوقفها، مما أثار شكوكًا في جدية الموقف الأمريكي وجعل الناس يعتقدون أنه يهدف إلى تقليل الخسائر الأمريكية عبر تسويق بعض المواقف الإعلامية.}
4. ^{تدور الخلاف حول إدارة ملف تبادل الأسرى وإبرام صفقات جزئية لضمان إطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين. لم يظهر سلوك نتنياهو ومواقفه العملية حرصًا على التوصل إلى صفقة جديدة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل الهدنة المقترحة لستة أسابيع. اعتمد مواقف متشددة أدت إلى تعثر الاتفاق على الصفقة، ورفض منح الفرق الإسرائيلية المفاوضة صلاحيات واسعة للتفاوض. بينما أبدى الجانب الأمريكي حرصًا على إنجاز الصفقة وضغط على الوسطاء القطريين والمصريين لمواصلة جهودهم في هذا الملف.}
5. ^{هناك خلاف بين الجانبين حول إعادة احتلال “إسرائيل” للقطاع والبقاء فيه لفترة طويلة. أعلنت الإدارة الأمريكية رفضها للتصورات التي طرحتها حكومة نتنياهو بشأن هذه المسألة، ولكنها لم تعارض وجود إسرائيل مؤقتًا في القطاع لتحقيق أهداف الحرب، شريطة ألا يتحول إلى احتلال كامل للقطاع.}
6. ^{هناك خلاف حول حجم وتوقيت تنفيذ هجوم عسكري واسع في منطقة رفح. أبدت حكومة نتنياهو رغبتها وإصرارها على تنفيذ الهجوم، وأكدت أنه سيساهم في إعاقة قدرات حماس العسكرية وتحقيق أهداف الحرب، وحذرت من أن عدم تنفيذه سيعني خروج حماس منتصرة في المعركة. بالمقابل، سعت الإدارة الأمريكية لتأجيل الهجوم، وطالبت الجانب الإسرائيلي بتوفير ضمانات لعدم وقوع خسائر بشرية كبيرة بسبب الكثافة السكانية في رفح، وتحدثت عن وجود بدائل لضرب حماس والمقاومة وقادتها، مع تجنب تنفيذ الهجوم الواسع الذي قد يكون له تداعيات كبيرة.}
7. ^{هناك خلاف حول مدة استمرار الحرب. بينما يصر نتنياهو على استمرار الحرب بشكل غير محدد ودون توقف حتى تحقيق الانتصار الكامل وتحقيق الأهداف، يتزايد اعتقاد إدارة الرئيس بايدن بأن نتنياهو يطيل مدة الحرب بسبب مصالحه الشخصية وخوفه من المساءلة عن فشل هجوم أكتوبر السابع. ولوحظ في الآونة الأخيرة تغير نسبي في الموقف الأمريكي من فكرة التوصل لوقف إطلاق نار دائم، حيث تحدث مشروع القرار الأمريكي الذي رفضته روسيا والصين والجزائر في 22 مارس 2024 عن “الحاجة الماسة للتوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار”، بعد أن كان الخطاب الأمريكي يتحدث سابقًا عن وقف مؤقت لإطلاق النار “في أقرب وقت ممكن عمليًا”.}
8. ^{يثير الجدل حول تسليح المستوطنين في الضفة الغربية واعتداءاتهم المستمرة ضد الفلسطينيين، حيث تصر حكومة نتنياهو عبر وزير الأمن الداخلي المتطرف إيتمار بن جفير على مواصلة خططها لتسليح المزيد من المستوطنين وتوفير الغطاء لجرائمهم في الضفة. وفي الوقت نفسه، توجهت الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية بانتقادات لممارساتهم، واتخذت وزارة الخزانة الأمريكية قرارات بفرض عقوبات على عدد من المستوطنين في الضفة الغربية خلال شهري شباط وآذار 2024، بسبب تهديداتهم لـ”السلام” والأمن في المنطقة.}
9. ^{يتعلق الجدل العلني بخطة التهجير القسري للفلسطينيين خارج القطاع. فقد اعتمدت الحكومة الإسرائيلية خططًا في هذا الصدد في بداية الحرب، لكن تم تعطيلها بسبب رفض مصر وإغلاق معبر رفح. وعلى الرغم من عدم صدور موقف أمريكي صريح يعارض خطط التهجير القسري، إلا أنه تم تطوير الخطاب الأمريكي نحو معارضة هذه الخطط بسبب رفض مصر والأردن والدعم العربي والإسلامي لهذا الموقف. ورغم ذلك، لم تتأثر التصورات الإسرائيلية المتعلقة بالتهجير الطوعي.}

ثالثاً: محددات السياسة الأمريكية تجاه الحرب:

^{تأثر الموقف الأمريكي من الحرب على قطاع غزة بمجموعة من العوامل الاستراتيجية المستقرة، وبعوامل آنية متغيرة تتعلق بتطور المعركة وتأثيرها على المصالح الأمريكية ومصالح الحزب الديمقراطي.}

1. ^{العوامل الاستراتيجية:}

^{تشمل العوامل التي تحكم التوجهات والمواقف الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني والصراع العربي الإسرائيلي والمنطقة على مدى العقود السابقة، وقبل معركة طوفان الأقصى، ومن المتوقع أن تستمر تأثيراتها في المستقبل، وتشمل:}

^{أ. رغبة الولايات المتحدة في الاحتفاظ بالهيمنة والتفوق في المنطقة، وعدم السماح لأي قوة خارجية بتهديد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، الذي يعتبره الولايات المتحدة منطقة حيوية لمصالحها الاستراتيجية.}

^{ب. الحفاظ على السيطرة على تجارة النفط ومناطق إمداده في العالم العربي، وضمان عدم تأثرها بتدخل قوى منافسة. وتهدف الولايات المتحدة أيضًا إلى بيع النفط بالدولار واستعادة فوائده للاقتصاد الأمريكي. وتبلغ قيمة الاستثمارات العربية في الاقتصاد الأمريكي حوالي 1.7 تريليون دولار، وغالبًا ما يتطلب سحب مبالغ كبيرة موافقة أمريكية.}

^{ج. ضمان أمن إسرائيل وتعزيز قوتها العسكرية في مواجهة الدول العربية، وتشجيع عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية. وهذا الهدف الاستراتيجي لم يتأثر بتغير الإدارات الأمريكية أو التغيرات السياسية. وتستمر الولايات المتحدة في تقديم مساعدة سنوية لإسرائيل بقيمة 3.8 مليار دولار، وتسمح لها بالوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الأمريكية دون قيود.}

^{د. منع ظهور قوى محلية تهدد المصالح الأمريكية، سواء كانت قوى أو حركات أو دول عربية أو إسلامية. وتستمر الولايات المتحدة في محاولة احتواء إيران}

^{هـ. الحفاظ على القواعد الأمريكية في المنطقة، حيث توجد على الأقل حوالي 63 قاعدة عسكرية أمريكية في 12 دولة عربية.}

^{‌و. ضمان استمرار بيع الأسلحة والتكنولوجيا لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.}

^{بالإضافة إلى هذه العوامل الاستراتيجية التي أثرت في سلوك الإدارة الأمريكية الحالية فيما يتعلق بالحرب على غزة، وأثرت في مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه “إسرائيل” والقضية الفلسطينية، هناك عامل آخر مهم يتعلق بوجود مجموعات يهودية نشطة في الولايات المتحدة، ولوبي صهيوني إسرائيلي قوي ومؤثر، وإعلام متعاطف، ورجال أعمال صهاينة لهم نفوذ قوي في الاقتصاد وتمويل الحملات الانتخابية. وقد لعب هذا العامل دورًا مهمًا ومستمرًا في التأثير على موقف الولايات المتحدة من الحرب على غزة، ومن مجمل قضايا الصراع العربي الصهيوني.}

2. ^{المتغيرات والمحددات الحالية:}

^{تعتبر المتغيرات والمحددات الحالية عوامل مؤقتة تتأثر بتطورات الوضع الداخلي في الولايات المتحدة والتغيرات في البيئة الإقليمية والدولية، وتؤثر على سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع. من بين هذه المحددات:}

^{أولاً، ضغط الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2024، حيث تظهر مؤشرات تشير إلى تصويت عقابي من قبل الناخبين الديمقراطيين، مما يعكس تحول القضية الفلسطينية إلى موضوع انتخابي داخلي في الولايات المتحدة.}

^{ثانياً، تأثر صورة الولايات المتحدة على الصعيدين العربي والإسلامي بسبب موقفها الموالي للعدوان الإسرائيلي على غزة، مما يضر بالقيم الحضارية الغربية والحقوق الإنسانية التي كانت تدعمها الولايات المتحدة.}

^{ثالثاً، القلق الأمريكي من الاستمرار في حروب طويلة في أوكرانيا والتحديات التي تواجهها هناك، مما يجعل الولايات المتحدة تسعى لاستعادة الهدوء في المنطقة.}

^{رابعاً، رغبة الولايات المتحدة في تقييد الصراع في غزة بين المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية، وتجنب التوسع في الصراع ليصبح إقليمياً.}

^{خامساً, تتزايد التهديدات للملاحة في البحر الأحمر نتيجة لزيادة استهداف سفن الكيان الصهيوني من قبل جماعة أنصار الله اليمنية. هذا الاستهداف ألحق ضررًا بالتجارة الدولية وشكّل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة والأطراف الغربية، بالإضافة إلى الكيان الصهيوني. تم توجيه ضربات جوية لأهداف الحوثيين في اليمن، ولكنها لم تؤثر في موقفهم من مواصلة هجماتهم في البحر.}

^{ظهرت خلافات داخل الحزب الديمقراطي بين الرئيس بايدن والجناح التقدمي والشباب الديمقراطي الذين ينتقدون السياسات الإسرائيلية. تزايدت الانتقادات داخل الحزب لسياسة بايدن المتحيزة لصالح “إسرائيل” والتي لا تحترم القانون الدولي الإنساني وحقوق الفلسطينيين. تم ممارسة ضغوط من قبل أعضاء الحزب لإعادة النظر في سياسات الإدارة ومواقفها من الحرب. أظهر استطلاع للرأي أن أغلبية القاعدة الديمقراطية تعاطفت مع الفلسطينيين أكثر من “إسرائيل”. هناك أيضًا معارضة داخل الحزب الديمقراطي لدور جماعة الضغط اليهودية (AIPAC) في الحياة السياسية الأمريكية، وهناك نحو 25 هيئة أو تنظيم يعارضون هذا التدخل.}

^{سادساً, مجلس الأمن القومي الأمريكي لا يزال يتبنى رؤية واحدة تحقق الأهداف الإسرائيلية ويمنع النصرة للمقاومة الفلسطينية في المعركة. الحزب الجمهوري يتوافق مع الموقف الإسرائيلي ويدعم 82% من أعضاء الكونغرس الحالي في حربها على قطاع غزة ورفضها لوقف إطلاق النار.}

^{سابعاً, تتزايد المخاوف الأمريكية من سياسات نتنياهو والمتطرفين في حكومته، ومن تفاقم الانقسام السياسي والاجتماعي والأيديولوجي الذي يهدد وحدة المجتمع الإسرائيلي. كما تعبر الإدارة الأمريكية عن استياءها من تحدي نتنياهو للمواقف الأمريكية وتجاهل مصالح الولايات المتحدة والحزب الديمقراطي.}

^{ثامناً, يتزايد تأثير تيار المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة، الذي يضم عشرات الملايين من الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل لأسباب دينية. ويتمتع هؤلاء بتأييد كبير للحزب الجمهوري ويشكلون نسبة مهمة من قاعدته الانتخابية.}

^{تاسعاً, تشعر الولايات المتحدة بالقلق من تداعيات استمرار الحرب على استقرار بعض الحكومات الإقليمية المحلفة لها في المنطقة، نتيجة لزيادة غضب الشعوب من ضعف مواقف تلك الحكومات وعجزها عن مواجهة جرائم الحرب الإسرائيلية.}

رابعاً: سيناريوهات مستقبلية محتملة لتطور الموقف الأمريكي من الحرب:

^{تحت ضغط المحددات الاستراتيجية والتغيرات التي تؤثر على موقف الإدارة الأمريكية ومصالح الحزب الديمقراطي قبل الانتخابات، هناك عدة سيناريوهات محتملة لتطور الموقف الأمريكي من الحرب في غزة حتى نهاية العام الحالي:}

^{السيناريو الأول: استمرار الولايات المتحدة في دعم الحرب لفترة طويلة حتى نهاية العام الحالي، وتقديم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي اللازم لإسرائيل، دون ممارسة ضغوط قوية تؤثر في مسار الحرب واستمرارها.}

^{السيناريو الثاني: تورط الولايات المتحدة في المواجهة بشكل أكبر وأكثر حدة، نتيجة توسع الحرب إقليمياً لتشمل أطراف أخرى.}

^{السيناريو الثالث: دعم الولايات المتحدة لجهود وقف دائم لإطلاق النار، مما يساهم في استعادة الهدوء في المنطقة ويفتح المجال لتعزيز التطبيع السعودي الإسرائيلي.}

1. ^{تفضيل السيناريو الأول بين السيناريوهات المطروحة، حيث يتوقع أن يكون له فرصة نجاح كبيرة في تحقيق أهداف الحرب على غزة. يعتمد هذا السيناريو على تأثير المحددات الاستراتيجية في الموقف الأمريكي وقدرة الإدارة الأمريكية على التعامل معها وضبطها. يتيح هذا السيناريو فرصة لتحقيق أهداف الحرب على غزة وضعف إيران وحلفائها في المنطقة. يشير إنشاء الولايات المتحدة ميناء لإدخال المساعدات للقطاع قبالة شاطئ غزة إلى استعداد الولايات المتحدة لمواجهة معركة طويلة في القطاع. قد يستغرق إنجاز هذا الميناء حوالي شهرين بعد وصول سفينة الدعم اللوجيستي. قد يستمر هذا السيناريو لفترة طويلة ويأخذ شكل التموضع طويل المدى، حيث يمكن أن يحلّ مكان معبر رفح للضغط على السياسة المصرية أو يتحول إلى أداة عسكرية ولوجستية تخدم إعادة تموضع “إسرائيل” في شمال القطاع.}

^{ومع ذلك، يواجه هذا السيناريو العديد من الصعوبات التي تؤثر في فرص نجاحه في تحقيق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية للحرب. من بين هذه الصعوبات:}

• ^{صعوبة إلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها، حيث تظهر قوتها وقدرتها على الاستمرار في القتال بعد ستة أشهر من بدء المعركة.}
• ^{صعوبة إيجاد سلطة بديلة في قطاع غزة تستطيع نقل تجربة التنسيق الأمني مثلما حدث في الضفة الغربية، نظرًا لفقدان السلطة التأييد الشعبي وفشل الخيارات الإسرائيلية لإيجاد صيغة محلية بديلة.}
• ^{توجهات حكومة نتنياهو المتشددة وعدم تعاونها في جهود فتح مسار سياسي وفقًا لحل الدولتين، مما يؤدي إلى إقناع الدول العربية بلعب دور في الترتيبات الأمنية لمستقبل القطاع بعد الحرب.}
• ^{زيادة الضغوط الدولية لوضع حد للحرب ومعالجة الوضع الإنساني في قطاع غزة}

2. ^{يبدو أن فرص السيناريو الثاني، وهو الانخراط الأمريكي في مواجهة إقليمية واسعة، أقل من الفرص الأخرى وفقًا للمؤشرات الحالية. فالولايات المتحدة، التي تشغلها الحرب الروسية في أوكرانيا والتنافس مع الصين، لا تبدو مستعدة لتوسيع نطاق المواجهة والانخراط فيها بشكل أكبر، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى استنزاف إضافي للمصالح الأمريكية. ومع ذلك، لا يعني عدم رغبة الولايات المتحدة في التوسع الحربي أنه لا يمكن أن يحدث ذلك، خاصةً في ضوء تباين الحسابات الأمريكية مع حسابات حكومة نتنياهو، التي تظهر جرأة أكبر في مخالفة توجهات إدارة بايدن وتعطي أولوية أكبر للاعتبارات الإسرائيلية.}
3. ^{تتزايد فرص السيناريو الثالث مع زيادة المؤشرات التي تشير إلى تغيير تدريجي في موقف الإدارة الأمريكية تجاه فكرة التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، شريطة أن يتم تحقيق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية في إنهاء حكم حماس وتحقيق ترتيبات مقبولة لمستقبل إدارة القطاع ومنعه من أن يشكل تهديدًا مستقبليًا للأمن الإسرائيلي. ومن بين المؤشرات التي تشير إلى التغيير النسبي في الموقف الأمريكي، عدم عرقلة الولايات المتحدة لمشروع القرار الذي تقدمت به الدول العشر غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن والذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، ويهدف إلى تحقيق “وقف دائم ومستدام لإطلاق النار”.}

^{ويتماشى هذا السيناريو مع رغبة الولايات المتحدة في بناء نظام إقليمي جديد وإعادة هيكلة المنطقة والتنافس مع الصين، من خلال تعزيز عملية التطبيع ودمج “إسرائيل” في النظام الإقليمي، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية، بما في ذلك الممر الاقتصادي من نيودلهي عبر دول المنطقة إلى أوروبا لمنافسة خطوط الإمداد الصين}

خامساً: الخيارات والاتجاهات المستقبلية لموقف الإدارة الأمريكية من المعركة:

^{بناءً على سلوك الإدارة الأمريكية الحالي والعوامل الاستراتيجية والتغيرات المؤثرة في موقفها من الحرب، يمكن توقع الخيارات والتوجهات المستقبلية التالية للموقف الأمريكي حتى نهاية العام الحالي:}

1. ^{يُتوقع استمرار الخلاف والتصعيد التدريجي بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو بسبب تكلفة سياسات نتنياهو واليمين الإسرائيلي على الحزب الديمقراطي ومصالحه الانتخابية. قد يؤدي هذا الخلاف إلى انفصال الحسابات الاستراتيجية والجيوسياسية للولايات المتحدة عن الحسابات السياسية والانتخابية للحزب الديمقراطي.}
2. ^{قد يؤدي الفشل الأمني والعسكري لإسرائيل في 7/10/2023 إلى تقليل الثقة الأمريكية في قوة إسرائيل وربما تصبح عبئًا استراتيجيًا على المصالح الأمريكية. قد تحتاج إسرائيل إلى دعم كبير ومستمر من الولايات المتحدة للتصدي للتهديدات التي تواجهها.}
3. ^{قد يحدث تعارض بين المصالح الجيوسياسية الأمريكية والمصالح الانتخابية للرئيس بايدن والحزب الديمقراطي بسبب تعنت نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف.}
4. ^{قد يستمر العمل على ضمان السيطرة الأمريكية في المنطقة ومنع روسيا والصين من الاستثمار في المنطقة.}
5. ^{قد تسعى الولايات المتحدة لتحقيق الهدوء وخفض التصعيد في المنطقة لتركز جهودها على الأزمة في أوكرانيا والتنافس مع الصين.}
6. ^{قد تواصل الولايات المتحدة جهودها لتغيير الواقع السياسي في قطاع غزة وإقصاء حماس عن السلطة في المرحلة اللاحقة للحرب.}
7. ^{قد تعمل الإدارة الأمريكية على تعزيز التطبيع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك التطبيع السعودي الإسرائيلي.}
8. ^{قد تسعى الولايات المتحدة لتقليل الأضرار على صورتها العامة من خلال التأكيد على احترام القانون.}

^{ثالثاً: المقترحات:}

^{بناءً على التحليل السابق، يمكن اقتراح الخطوات التالية:}

1. ^{تعزيز الجهود الدبلوماسية للتأثير على مواقف الدول الإقليمية والدولية تجاه الحرب على غزة، من خلال التواصل المستمر والتعاون مع الشركاء الدوليين لتحقيق تحركات دبلوماسية فعالة.}
2. ^{تعزيز الدعم الإنساني والمالي لسكان غزة والمقاومة، لتعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم نتيجة الحرب.}
3. ^{تعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المعنية، من أجل إيجاد حل سلمي ودائم للصراع في المنطقة، وتحقيق الاستقرار والسلام الدائم للشعب الفلسطيني والإسرائيلي.}