على درة
على الرغم من حالة عدم الرضا التى يشعر بها المواطن التركى لأسباب كثيرة سنعرضها..إلا أن ماحدث من نتائج فى الانتخابات وهذا التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية لم يكن متوقعاً بهذه الدرجة ..حتى المعارضة نفسها لم تكن تتوقع ما حدث..لذا وجب علينا التوقف والتأمل فى الأسباب والتداعيات:
أولا : الأسباب
الاقتصاد
لايخفى على أحد الحالة الاقتصادية الصعبة وارتفاع التضخم وتراجع الليرة ..وعلى الرغم من رفع الفائدة إلى 50% إلا أن ذلك لم يقنع المواطن التركى بالثقة فى المسار الاقتصادي..ومما يزيد القلق هو عدم وجود رؤية واضحة ومقنعة حتى الأن لحل هذه الأزمات الاقتصادية ..وهذا هو الهاجس الأهم فى اهتمامات المواطن التركى.
2- أزمة المعاشات
يعانى أصحاب المعاشات من كبار السن فى تركيا مؤخرا بعدم التقدير من حكومة العدالة والتنمية رغم ان أغلبهم من الكتلة الصلبة التى كانت دائما ما تعطى أصواتها للرئيس أردوغان وحكومته فى جميع الانتخابات لكن مؤخرا ومع إرتفاع التضخم والأسعار لم يعد مايتقاضاه أصحاب المعاشات مناسب للمعيشة فمتوسط ما يتقاضونه فى حدود 10000 ليرة ليس مناسبا الأن ومما زاد الأمر صعوبة هو خروج وزير المالية محمد شمشك بتصريح قبيل التصويت أننا لن نرفع المعاشات فكان التصريح صادما مما دفع العديد من أصحاب المعاشات بمقاطعة التصويت أو التصويت العقابى لكى تنتبه الحكومة لطلباتهم والتى تعتبر عادلة فى هذه الظروف الصعبة
3- العلاقة بين المالك والمستأجر
تمتلئ المحاكم بالعديد من القضايا بين الملاك والمستأجرين..فالملاك يشعرون أن القيمة الإيجارية التى يأخذونها لا تتناسب مع معدلات التضخم والمستأجرون يشعرون أن الملاك يبالغون فى طلباتهم وكلاهما يشعر بعدم الرضا من موقف الدولة ..ويشعر أن الدولة كان لابد أن يكون لها دور أكثر عدلاً وإنصافاً.
4- زيادة الضرائب والرسوم الحكومية
بعد انتخابات الرئاسة مباشرةً وبعد فوز الرئيس أردوغان قامت الدولة بزيادة الضرائب والرسوم الحكومية بنسبة كبيرة فشعر العديد من المواطنين بالحزن ..فهل هذا جزاء وقوفهم مع الرئيس فى انتخابات الإعادة..ودائما ماتوجه الدولة اللوم على التجار الذين يرفعون الأسعار فإذا بالدولة نفسها هى من تقوم بزيادة الأعباء على المواطن ..وقد يكون للدولة مبرراتها الاقتصادية ولكن التوقيت والطريقة وعدم التدرج لم تكن مناسبة لذا كان قرار البعض معاقبة الحكومة فى أقرب استحقاق انتخابى لكى تصل الرسالة.
5- ملف غزة
على الرغم من موقف الرئيس التركى الذى لايترك مناسبة إلا ويوجه الانتقاد للكيان الاسرائيلى المحتل ولقياداته وعلى الرغم من إرسال تركيا للعديد من المساعدات إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإقناع الكتلة المحافظة والمتعاطفة مع غزة مع ماترى من مشاهد القتل والترويع والتجويع فقد كانت تتوقع كحد أدنى طرد السفير وقطع العلاقات مع مزيد من الضغط..لذلك العديد من هذه الكتلة امتنعت عن التصويت أو أعطت اصواتها لحزب الرفاة وهى نسبة ليست بالقليلة.
ثانيا : التداعيات
1 – التداعيات على المعارضة
هذه النتائج أعطت المعارضة أملاً قوياً بعد أن كادت أن تفقد الامل فى التغيير من خلال الصندوق ومع سيطرة حزب العدالة على كل شئ رئاسة وبرلمان ومحليات لو فاز بها كل ذلك كان تأثيره سينعكس سلباً ومحبطاً للمعارضة..لكن الأن انتعشت لديها الآمال وأصبح أمامها فرصة فى البلديات التى لديها كي تحسن إدارتها وهذا سينعكس بالطبع بالإيجاب على المواطن التركى ولاشك أن وجود معارضة قوية سيكون دافعاً للحزب الحاكم لمراجعة الأداء وتحسينه من أجل استعادة الثقة لدى المواطن التركى وينعكس بالإيجاب عليه ..فقط مايجب الإشارة إليه ألا تتعجل المعارضة الأمور وتلجأ للضغط من أجل انتخابات مبكرة فتلجأ لأى إثارة غير مناسبة وقد تكون ضارة وهذا ما لا نتمناه ..فالتغيير الطبيعى بالصندوق فى وقته الطبيعى هو الطريق الأسلم والانسب.
2 – التداعيات على الحزب الحاكم
على حزب العدالة والتنمية أن يتوقف كثيراً أمام هذه الانتخابات ويدرس نتائجها جيداً وأن يعدل من مساراته..وأن يعيد برمجة سياساته الاقتصادية وحل مشاكل المواطن كمالك وكمستأجر وكذلك أزمة المعاشات وإعادة النظر فى
الرسوم والضرائب وإعادة تموضع موقف الدولة فى ملف غزة .
كذلك على الحزب اعادة رسم تحالف اكثر قوة وتنوعاً مع الاستمرار مع حزب الحركة القومية وكذلك الوصول للتفاهم مع حزب الرفاة ومحاولة التفاهم مع القيادات السابقة مثل أحمد داود اوغلوا وعلى باباجان حتى لو استدعى الأمر تقديم بعض التنازلات من أجل صياغة تحالف قوى.
كذلك محاولة صياغة حلول سياسية مع المكون الكردى بما لايتعارض مع الأمن القومى التركى وقد كان للرئيس أردوغان تجربة جيدة سابقة فى هذا الأمر.
وفى النهاية نحن على يقين من أن الرئيس أردوغان وحزبه يمتلكون القدرة على دراسة ماحدث ويتخذون الإجراءات المناسبة ..وقد قالها الرئيس فى أول تعليق على النتائج فقد قال لن نتوقف ولكن سنعدل المسار وفى ذلك إشارة ايجابية سيكون من ورائها الخير إن شاءالله.