مصر

ما هي الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية لقرارات تصفية الشركات العامة في مصر؟

د. عبد الحافظ الصاوي

أثارت قرارات خصخصة الشركات والمؤسسات العامة في مصر خلال السنوات الماضية جدلاً كبيرًا. فقد تسببت هذه القرارات في تسريح عدد كبير من العمال، وفي امتلاك الأجانب حصصًا كبيرة من ملكية الشركات العامة. بالإضافة إلى ذلك، شهدت ساحات القضاء العديد من القضايا المتعلقة بفساد بعض عقود الخصخصة.

ومن الجدير بالذكر أن عائدات عملية الخصخصة لم تُوجه لإقامة أصول رأسمالية جديدة، بل تم استخدامها لسد عجز الموازنة العامة للدولة وسداد ديون تلك الشركات، بالإضافة إلى دفع مستحقات العمال في الشركات المخصصة ضمن برنامج المعاش المبكر أو تسوية مستحقاتهم.

ووفقًا لبيانات وزارة المالية، فإن عدد الشركات التي تم بيعها وتصفيتها في الفترة من 1993 إلى 2016 بلغ 282 شركة، بقيمة إجمالية قدرها 53.6 مليار جنيه مصري. وتم تصفية 34 شركة خلال هذه الفترة.

ومع ذلك، كانت استراتيجية الحكومة في السنوات الأخيرة تتمحور حول تصفية الشركات وبيع خطوط الإنتاج كخردة، واستغلال أراضيها في مشروعات عقارية. وقد تم اعتبار هذا النهج أحد أهم أسباب الاعتراض، حيث يؤدي إلى خروج هذه الشركات من دائرة العمل والإنتاج.

تم بيع وتصفية 282 شركة في مصر خلال الفترة من 1993 إلى 2016 بقيمة إجمالية قدرها 53.6 مليار جنيه. بدأت هذه العملية مع شركة القومية للأسمنت، ثم شركة الحديد والصلب المصرية، وأخيرًا شركة راكتا لإنتاج الورق.

في الأشهر الأخيرة، واجهت مصر مشكلة كبيرة في مصانع السكر، حيث تم إيقاف خطوط الإنتاج في شركة “أبو قرقاص” لمدة شهرين، ثم استؤنف الإنتاج مرة أخرى. هذا أثار الشكوك حول نية الحكومة في تصفية الشركة، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة سكر في جميع أنحاء البلاد.

لم تظهر حتى الآن حلول لإنقاذ الشركات التي تم تصفيتها أو التي تواجه خطر التصفية. هناك العديد من الحلول التي يمكن استخدامها، مثل تأجير الشركات للقطاع الخاص أو البحث عن شركاء أجانب لتطويرها.

هناك أمر مثير للشكوك بشأن الشركات التي تم تصفيتها، حيث يتم تغيير إداراتها وزيادة خسائرها ومديونياتها لتكون مؤهلة للتصفية بدلاً من البيع أو الخصخصة الجزئية.

في السطور التالية، سنشير إلى بعض النقاط المهمة فيما يتعلق بتصفية الشركات وتأثيرها الاقتصادي والاجتماعي.



أولا: التأثير الاقتصادي

بالنسبة لصناعة الورق، تشير البيانات الخاصة بالهيئة العامة للاستثمار المصرية إلى أن مصر تستهلك حوالي 600 ألف طن من الورق سنويًا، بينما تنتج نحو 225 ألف طن فقط. وبناءً على بيانات عام 2019، يعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على استيراد الورق، حيث يستورد 60% من احتياجاته من الورق الأبيض و90% من ورق الصحف.

ومن الغريب أن الدولة تتجاهل الصناعات المحلية القائمة وتعتمد بشكل كبير على الاستيراد، مما يثير تساؤلات حول هذا القرار.

أما بالنسبة لصناعة الأسمنت، فإن مصر تحقق اكتفاء ذاتيًا في هذا القطاع وتصدر منتجاته. ومع ذلك، فإن قرار تصفية الشركة القومية للأسمنت يثير العديد من الأسئلة، خاصة وأن الحكومة تقوم في نفس الوقت بإنشاء مصنع جديد للأسمنت في محافظة بني سويف بدلاً من دعم الشركة القائمة.

ثانيا: التأثير الاقتصادي والاجتماعي

تظهر بوضوح في مصر الآثار السلبية اقتصاديا واجتماعيا، حيث تعتبر مشكلة العمالة المسرحة واحدة من أبرز القضايا الاجتماعية الناتجة عن عمليات الخصخصة وتصفية المشروعات العامة. فقد تمت تصفية ثلاث شركات رئيسية في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى فقدان حوالي 9.5 ألف عامل وعاملة.

وفي الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة اقتصادية ومالية صعبة، تظهر بيانات تشير إلى تكبد شركة راكتا خسائر كبيرة في العام الماضي بسبب دفع مستحقات العمال المحالين للمعاش المبكر. وهذا يزيد من أعداد العاطلين ويعرضهم لصعوبات في العثور على وظائف جديدة بسبب ارتفاع مستوى البطالة.

والمشكلة تكمن في عدم وجود برامج لإعادة تأهيل العمالة المسرحة وتوجيههم مجددا نحو سوق العمل. فالعمال الذين تم تسريحهم كانوا يتمتعون بحقوق اقتصادية واجتماعية في الشركات العامة التي لا يوفرها لهم القطاع الخاص. وبدون دعم حكومي لتوفير فرص عمل جديدة أو برامج تأهيل، يبقى مستقبل هؤلاء العمال مجهولا ويتعرضون لخطر فقدان مصدر رزقهم.

، حيث تعتبر مشكلة العمالة المسرحة واحدة من أبرز القضايا الاجتماعية الناتجة عن عمليات الخصخصة وتصفية المشروعات العامة. فقد تمت تصفية ثلاث شركات رئيسية في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى فقدان حوالي 9.5 ألف عامل وعاملة.

وفي الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة اقتصادية ومالية صعبة، تظهر بيانات تشير إلى تكبد شركة راكتا خسائر كبيرة في العام الماضي بسبب دفع مستحقات العمال المحالين للمعاش المبكر. وهذا يزيد من أعداد العاطلين ويعرضهم لصعوبات في العثور على وظائف جديدة بسبب ارتفاع مستوى البطالة.

والمشكلة تكمن في عدم وجود برامج لإعادة تأهيل العمالة المسرحة وتوجيههم مجددا نحو سوق العمل. فالعمال الذين تم تسريحهم كانوا يتمتعون بحقوق اقتصادية واجتماعية في الشركات العامة التي لا يوفرها لهم القطاع الخاص. وبدون دعم حكومي لتوفير فرص عمل جديدة أو برامج تأهيل، يبقى مستقبل هؤلاء العمال مجهولا ويتعرضون لخطر فقدان مصدر رزقهم.

غياب الشفافية

في خطوة غائبة من الحكومة المصرية بشأن تصفية الشركات العامة. نجد أن لدينا أصول رأسمالية تتمثل في العدد والآلات، والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ستتصرف الحكومة في هذه الأصول؟ هل ستعلن عن بيعها للقطاع الخاص المحلي أو الخارجي؟ أم سيتم التعامل معها كخردة؟ وبالطبع، في حال اتخاذ الخيار الأخير، ستباع بسعر منخفض بالمقارنة مع قيمتها الأصلية.

تتلقى الحكومة المصرية انتقادات بسبب عدم اتخاذ برامج لإعادة تأهيل العمالة المتأثرة لإعادتها إلى سوق العمل. تجربة أوروبا الشرقية في بداية التسعينيات تظهر أنه عند تصفية مصانعها والتخلص من التكنولوجيا الروسية والشرقية، تم بيع خطوط الإنتاج للدول النامية في جميع أنحاء العالم، سواء للقطاع الخاص أو العام، داخل هذه الدول أو خارجها، ولم يتم التعامل معها كخردة على الرغم من إمكانيات الدول الغربية العالية في إعادة التدوير.

يعاني السوق المحلي في مصر من غياب البديل للشركات التي يتم تصفيتها، والتي تمثل حصة كبيرة من الإنتاج المحلي. على الرغم من ذلك، لا يتم توفير بديل يقوم بدورها، مما يحرم السوق المحلي من الحصة التي كانت تؤديها هذه الشركات.

لا يوجد بديل متاح، سواء من القطاع العام أو القطاع الخاص، ولا حتى من شركات الجيش. وبالتالي، يصعب على القطاع الخاص في مصر إنشاء شركات بحجم وقيمة الشركات القومية للأسمنت والحديد والصلب وراكتا للورق. فإنشاء هذه الشركات يتطلب مساحات كبيرة من الأراضي وخطوط إنتاج ضخمة، بالإضافة إلى العمالة المدربة والماهرة التي تكلفت الشركات ملايين الجنيهات لتدريبها.

عندما تقوم الحكومة بتصفية شركتي الأسمنت والحديد، يكون الاهتمام الرئيسي هو استغلال المساحات الأرضية في الاستثمار العقاري. وهذا يسبب أضراراً كبيرة للناتج المحلي، حيث يتم تحويل المؤسسات الإنتاجية إلى مجرد تجمعات سكانية، مما يعني تحولها من الإنتاجية إلى الاستهلاكية، ويزيد من اعتماد البلاد على الاستيراد.

الأمر الغريب هو أن الدولة تتخلص من شركات إنتاج الحديد والصلب، في حين أنها تعتمد في أداء النشاط الاقتصادي على مشاريع كبيرة في مجال البنية التحتية. وهذا يعني أن أزمة النقد الأجنبي ستتفاقم في السنوات القادمة بسبب زيادة استيراد مواد الحديد والورق من الخارج بمبالغ أكبر من السابق.

ووفقًا لمتابعة وسائل الإعلام، يبدو أن عملية التصفية لبعض الشركات العامة لن تتوقف عند شركة راكتا لإنتاج الورق فحسب، بل ستستمر لتشمل شركات أخرى أيضًا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى