د. عبد الفتاح طوقان
تصاعد الجدل في المملكة الاردنية مؤخرا حول الحراك الشعبي وهتافات المتظاهرين وإظهار الولاء للمقاومة الفلسطينية في غزة هاشم وقادتها التي باتت يوميا بعد الصلاة يوم الجمعة وبعد صلاة التراويح في رمضان في منطقة الرابية بعمان وفي محافظات اخرى بين متمسكين بالتصعيد من الشعب الحر وتيارات إسلامية وأنصارهم من جهة، وبعض الأحزاب من جهة يدفعهم الضمير الإنساني وبين حكومة تتهم بعض من المتظاهرين بالمراهقة وبأنهم مدفوعون بأيدولوجيات بائسة وشعبويات تريد تأليب الرأي العام باستغلال المشاعر والعواطف حسبما صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة مهند المبيضين.
المضحك ان الحكومة تعتقد ان الرآي العام معها وأن المتظاهرون سيغيرون آو يبدلون من رأيهم في موقف الحكومة ورصيدها!!!!!!! والسؤال هنا من يخرق القانون الشعب الوفي الذي يقف الي جانب غزة ام الحكومة غير القادرة في هذا المنعطف التاريخي علي إدارة الساحة والتعامل معها وتعتمد معاهده وادي عربه حسب تصريح الناطق الرسمي اساساً للسلام؟ والجمعة في ٢٩ من آذار الجاري، كان قد أعلنت الحكومة على لسان ناطقها أن السلام هو الخيار الاستراتيجي ومعاهده السلام هي التي تمكن الأردن من ممارسة دوره في تخفيف الضغوط علي الأهل في الضفة الغربية. (انتهي الاقتباس). لكنها مقولة غير حقيقية حيث لم تمنع المعاهدة دولة الكيان الصهيوني من كل افعالها المشينة ولم تحترم سيادة الأردن ولا الملك عبد الله الثاني.
ثم لا افهم كيف أن المعاهدة تختصر التخفيف عن الضفة الغربية دون بقية فلسطين بما فيها غزة المحاصرة والمدمرة التي تعيش حالة إبادة بموافقات ضمنية وصمت عربي مشين. وهل لا زال للمعاهدة أي قيمة تذكر ام انها كانت توظيفية لمرحلة معينة؟ وهل مطلوب التخفيف عن الضفة ام إيقاف الإبادة للشعب في غزة؟ وكان المفترض والمتوقع ان يقترح مستشاري جلالة الملك عبد الله الثاني( وما اكثرهم) عليه أن يعلق على الجدل السائد في كلمة مصورة يبثها التلفزيون الرسمي في نشرته الإخبارية بالقول: “موقف المملكة الأردنية الهاشمية من محاصرة غزة و تدميرها في حرب إبادة وتجويع الشعب المرابط والمقاوم للاحتلال ثابت برفضه، وأنه لا توجد في قاموسي كلمة تطبيع وموافقة علي ما يحدث من قبل اسرائيل في تلك الحالة التي تستهدف إبادة الشعب الفلسطيني وفرض تهجيرهم من وطنهم “. انتهي النص المقترح .
إن التفكير الحكومي بهذه الطريقة من وجهة النظر الشعبية هي تعبير على انهزامية الحكومة وتقزيمها للدور الأردني المشهود له بالمساندة لغزة خصوصا والقضية الفلسطينية عموما”.
وهكذا عند اصدار الملك لمثل هذا التصريح تزداد شعبية الملك لدي الشعب ، ناهيك ان سقطت غزة ستتوالى حركة الدومينو و ستجر دول اخري الي الهاوية امام الكيان المفترس.
وأقصد أن الخوض في نوعية الهتافات والولاءات و تجريمها الآن ومستقبلا ليس منطقيا بل يصنف اضطراب سياسي، و يولع نارا بلا سبب في وقت الكل حريص كل الحرص علي الوطن والنظام ومقدراته ، و ايضا لأن الملك ضابط الإيقاع الوطني هو فوق كل هذه الترهات ان حدثت ضمن بعض مشاعر الغضب والانفعال الزمني من قلة من أفراد أخذهم “الحماس” لحظيا، والأردن وفلسطين دوما معا في لحظات تاريخية واليوم يواجه فيها الشعب الفلسطيني في غزة هاشم أبشع الجرائم المحرمة دوليا، بعزيمة الفدائي المقاوم، وهي نفس العزيمة التي يتقاسمها الشعب الأردني الحر مع الشعب الفلسطيني المقاوم والحي، لأن كلاهما لا يرضون إلا بالحق والقانون وبالنصر أو الاستشهاد في سبيل تحرير الوطن المغتصب.
وأشير هنا الي قوانين وأنظمة الأمم المتحدة الداعية الي “الانتصار للحقوق المشروعة للشعوب”، وشعب فلسطين القابض على الجمر ويومياته حزينة مليئة بالقتل والتشريد والتهجير والحصار والتجويع والترهيب من قبل الكيان الغاصب هو أول هذه الشعوب حقا في أرضه السليبة، وحقه بإقامة دولته عليها بعد تحريرها وعاصمتها القدس الشريف و في ذلك أيضا حماية للمملكة الأردنية التي هي هدف إسرائيل القادم لن يوقفها معاهده واستسلام او تقييد حريات المتظاهرين. وعكس ذلك هو خيانة للمملكة الأردنية قبل أن يكون الامر متعلقا بخيانة عظمى للشعب الفلسطيني وطعنه في الظهر.
إن المظاهرات و الهتافات و التي هي في كل دول العالم كما في الأردن تمنح معنويات وتساند حرب تحرير وتظهر المواقف المشرفة للشعب وللمملكة ولا يجب آن ينظر لها أنها حرب تجريم المتظاهرين، وهي تماثل التشجيع في مباريات الكرة مغلفة بورق السوليفان السياسي ، هي جماهير غاضبة يحركها الدافع الوطني و الإنساني ، كما وللبرلمان وظائفه وفق مقتضيات الدستور إن أراد إصدار قانون لمثل تلك الحالات، وعلي الحكومة الأردنية ضمن وظائفها ان تتوافق مع متطلبات المجلس النيابي والذي من المفترض انه يخضع للشعب و يمثل توجهاته ، او ليس (افتراضا كما يصرح به) السيادة بالنهاية للشعب الاردني الذي يريد من جهة الحفاظ علي المملكة من الضياع ومن جهة أخرى تحرير الوطن المحتل (فلسطين) ؟.
من الناحية الشكلية، ، للأسف موقف الحكومة الأردنية يظهر ان من حركتهم وطنيتهم وضمائرهم الحية وقلوبهم المعلقة بالقدس وفلسطين يتم تشريكهم (إشراك وتكفير بالملك والمرجعيات الدستورية والقانونية ) وهو ما يعدنا الي الأحكام العرفية حيث كانت التهم مجهزة ” شتم جلالة الملك الحسين رحمه الله ، سجن من ثلاث سنوات الي خمس”، والتي بعد زوال الأحكام العرفية تحولت الي “سب الذات الملكية”.
وأقصد آن الملك عبد الله والذي امر بعفو ملكي مؤخرا هو اجل وأكبر من تلك الهتافات ويتفهمها ويترفع عنها ،وفي العادة تناقش القوانين الخاصة بالتجريم لمثل حالات مشابهه في مجلس النواب بحضور الأطراف الحكومية المعنية به ودون اجحاف في عقوبات سالبة للحرية، لا ان تتصدر الحكومة وتتسرع بالتهديد والوعيد والتخوين.
ثم اليس الحكومة من أتت بالشيوعيين ومنتسبي منظمات قتلوا اردنيون في السبعينات(حرب أيلول) واختطفت فصائلهم طائرات مدنية وأطلقوا علي سفراء الأردن في الخارج الرصاص فوضعتهم في مناصب وزراء وأعضاء مجلس أعيان الملك ؟ و الم تصدر إرادة ملكية بأن يصبح منهم احد أبنائهم رئيسا للوزراء ؟ ما هذا التناقض والانفصام الذي يتعدي علي أصحاب الأرض الأصليين و العشائر الأردنية ممن بايعوا الهاشميون وابنآء الوطن المنتمين والموالين لتراب الأردن ؟ الحكومة قررت بمفردها وصرح ناطقها الرسمي وحكموا لوحدهم وناقشوا ما يحدث في الساحة لوحدهم وصادقوا عليه لوحدهم قزموا الموضوع كله في في قضية تافهه هي “الهتاف بالولاء لغير الملك” ، رغم انه ليس من صلاحيات الحكومة التصديق ، وهذا غير معقول لأن ذلك له انعكاسات سلبية على الدولة الأردنية وعلي النظام ويمس بحقوق المواطنين التي من ضمنها التعبير عن رأيهم بصراحة دون استثناءات.
أن هذه مسائل لم تقرأ فيها الحكومة حالات الاستثناءات عندما يكون كل دول العالم متضامنة لوقف إطلاق النار، ولديها تظاهرات لوقف إبادة وتجويع وحرب لتدمير غزة، وفي وقت الساحة الأردنية الملتهبة مشاعرها والحالات التي تعيشها فلسطين، لذلك التمهل والتروي في التعامل مع الحدث ذات السخونة الشديدة مهم لحماية الدولة والنظام من أي مخاطر.
ولا بد أن يكون موقف الحكومة متوافق مع مجلس النواب والشعب واضحا من القضية الفلسطينية وتحديدا ما يحدث في غزة فعلا لا قولا وخطابات جهورية حنجرية، وليس للحكومة ان تتغاضي عن مطالب مجلس النواب بإلغاء معاهده وادي عربه وقطع العلاقة مع الكيان الصهيوني، وطرد السفير الإسرائيلي وسحب السفير الأردني في لدي دولة الكيان الغاصب، بل ان تستمع وتنفذ مطالب المجلس النيابي ، لا أن تمسّ مصالح المواطنين و حقهم في التعبير. أن “التشبث” بطرح أفكار تجريم المتظاهرين وهتافاتهم كما تم، ينمّ عن ” استفزاز للشعب ومزايدة سياسية” ويدخل في خانة تقزيم الدولة ودور الملك .
أن من مصلحة الدولة ألا تقف امام المتظاهرين من الشعب شركاء أصحاب القضية المبدئية لأنها بذلك تصبح فضفاضة وهزيلة ولا تمثل الحالة الشعبية ، وعندها يمكن تصوير أن النظام مع تدمير غزة وهو غير صحيح”.
الموقف الحكومي علي لسان الناطق الرسمي هو محاولة تسويق الخيانة باتهام حراك بعضا من الشعب بأنه يهدد امن الدولة ويخلق فتنة بين الشعب وبين النظام الحاكم”.
من الغباء الحكومي ألا يستمع الي مناشدات ومطالب بعض نواب عن الشعب ، غباء سياسي لا يفرّق بين الصهيونية التي تؤمن بأن إسرائيل من النيل الي الفرات والحكومة الأردنية تتمسك بمعاهدة مع من يخرقها كل يوم وبعد ان قضمت الحق الفلسطيني والأردني علي حد السواء.
أفعال إسرائيل لا ترقي الي السلم وهي أصلا لا يعنيها الأردن ولا النظام، والمعاهدة بالنسبة لها “حبر علي ورق” والا كانت احترمت قرارات الأمم المتحدة.
أن “إرادة الشعب والمتظاهرين مستقلة وليست منتسبة لحزب خارجي ولا إلى ولاء لنظام أو الحكومة، ولا تخضع لتوجيهات وتنطلق في ظرف سياسي صعب، وتتكلم وتتظاهر من منطلق الضمير والثقافة السياسية والإنسانية.”
علي الحكومة الأردنية أن تستفيد من هذه التظاهرات ومن الهتافات اياً كانت وتبقيها ورقة ثمينة تحت تصرف السلطة والحكومة، خاصة وزارة الخارجية، كسلاح وقدرة تفاوضية عالية تزيد من القدرة التكتيكية ، لتنزع من التفاوض مع الكيان الغاصب باسم الدولة قدرة عالية جدا تتناسب مع المصلحة السامية للأردن وفلسطين معا”، دون خلط للأوراق والخروج من الطريق الرئيسي الي حارة ضيقة جانبية.
الشعب في حراكه يعبر بوضوح عما في الصدور من الم متوارث من سبعين عاما وزاد الألم ست شهور من حرب إبادة في غزة، لذا أعتقد أن هناك خلطًا لدي السلطة التنفيذية في تقدير الامر وتسرع في غير محله وهذا غير سليم، ولا داعي لان يكون الملك الذي قدره محفوظ مجالا للمزايدة مما يؤثر على صورته الجماهيرية وينتقص منها بمثل تلك الأفعال الحكومية غير المدروسة والمتسرعة. ارفعوا يدكم عن الشعب، رجاءا، قبل ان يرفع الشعب عنكم غطاء سترتكم وبقاؤكم في مناصبكم .
التراجع عن الخطأ فضيلة في كتاب التربية السياسية لحكومات قوية، إذا وجدت!.