أكبر عمليات نصب في مصر لأكثر من 80 ألف شاب عبر تطبيقات المراهنات
تعرض نحو 80 ألف شاب في الأسابيع الماضية لعملية نصب واسعة من منصة المراهنات الهندية الأصلية (SGO.CC)، والتي تعمل في مصر منذ الصيف الماضي. وقد أدت هذه العملية إلى خسارة مدخراتهم ومبالغ تقدر بنحو 500 مليون جنيه.
وقد تقدم آلاف الشباب ببلاغات متتابعة إلى إدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات في وزارة الداخلية المصرية، المعروفة باسم مباحث الإنترنت، في القاهرة وبعض المحافظات. وتتهم هذه البلاغات القائمين على تلك المنصة بالنصب عليهم وإغلاق التطبيق بعد الاحتيال عليهم والسطو على أموالهم.
ووفقًا لما نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن القائمين على المنصة قد أغروا الشباب بتحقيق أرباح كبيرة من خلال المراهنات على نتائج مباريات كرة القدم الأوروبية. وقد قاموا بتحويل الأموال عبر رقم مخصص من نظام فودافون كاش للدفع الإلكتروني، والذي يتبع شركة فودافون مصر.
قال المحامي خالد عبد العزيز، الذي يدافع عن الضحايا، لموقع المحلي إن المنصة بدأت نشاطها في إبريل 2022 وتم إغلاقها في فبراير الحالي. وأوضح أن عدد الضحايا تجاوز الـ80 ألف مصري، حيث تمكنت المنصة من جمع أكثر من 500 مليون جنيه.
ووفقًا للبيانات المتاحة، ظهرت المنصة في الهند قبل حوالي عامين، بهدف الاستثمار في الأحداث الرياضية عبر الإنترنت والمراهنات الرابحة تحت اسم “جف فوتبول”. وقدمت خدماتها في ديسمبر 2022 لمدة تزيد عن عام ونصف، قبل أن تغلق في مايو 2023.
وفي 16 يونيو 2023، بدأت الشركة العمل في مصر تحت اسم (SGO.CC) من خلال مجموعات خاصة على تطبيق “تليجرام”، وشهدت انتشارًا كبيرًا بين الشباب المصري خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 9 أشهر.
“لهذا وقعت في الفخ”.
قال الشاب العشريني، محمود.د: “دخلت المنصة في يونيو الماضي، ودفعت 8 آلاف جنيه، وبعد حوالي 8 أشهر من التعاملات اليومية وصلت الأرباح في النهاية إلى 450 ألف جنيه، ولكنها ضاعت جميعا مع إغلاق المنصة”.
وأشار إلى أنه في البداية شعر بالدهشة من حجم الأرباح التي حققها، وحاول بشكل كبير إقناع أصدقائه وأفراد عائلته بالمشاركة معه، ووصل إلى رتبة قائد فريق.
وأوضح أنه كان يسحب مبالغ تتراوح بين 10 إلى 15 ألف جنيه في البداية، ثم تطورت الأمور لاحقا حيث بدأ يسحب مبالغ تصل إلى 20 إلى 25 ألف جنيه شهريا، واستطاع شراء سيارة بقيمة 250 ألف جنيه وشقة في مدينة جديدة بمبلغ 500 ألف جنيه.
وأوضح أن كلما أضاف رقما على البرنامج كان لديه فرصة للمضاربة في مباراة جديدة، مما زاد من الأرباح التي حققها.
وحول سبب لجوئه لهذا الأمر، يقول: “لا يمكنني تحقيق شقة وسيارة في عام واحد من خلال العمل العادي. كانت دخلي من العمل في مجال العقارات بين 5 و10 آلاف جنيه شهريا، وكان علي العمل لأكثر من 15 ساعة يوميا، وهذا لا يكفي للزواج وبدء حياة جديدة”.
ويؤكد أن “الكثير من الشباب يتجهون نحو الاستثمارات السريعة التي لا تتطلب سوى هاتف محمول، حيث يمكن العمل عبر الإنترنت لتحقيق أرباح سريعة. يبحث الشباب عن منصات التداول أو يتعلمون الفوتوشوب ومهارات الإنترنت ليعملوا كمستقلين، أو يبحثون عن منصات المراهنات. هناك من تركوا وظائفهم للتفرغ لهذه الأمور”.
ويضيف أنهم “تم استدراجنا بالاحتفالات الفاخرة التي كنا نحضرها كفريق، وكنا نشهد الاحتفالات في قاعات فخمة بحضور الكاميرات والطعام الفاخر والهدايا مثل الهواتف وأجهزة اللاب توب وحتى السيارات”.
ويضيف أنهم “خدعونا في النهاية برسالة تقول بأنه يجب علينا دفع ضرائب للحكومة المصرية من أرباحنا، مما جعلنا ننشغل بقصة هروبهم غير المحتملة”، ويرجح أن يتقدم أحد المشتركين ببلاغ ضده.
وفي ختام حديثه، يؤكد محمود أن “تلك المنصة فتحت موقعاً لها في الجزائر، والعديد من الذين تعرضوا للنصب في مصر يحاولون الحصول على خطوط هاتف جزائرية للانضمام إلى المنصة مرة أخرى وتعويض خسائرهم”.
“نظام الشجرة”
من جانبه، يقول أحمد، موظف في أحد البنوك المصرية الحكومية: “جاءني ابني الشاب في الفرقة الثالثة بكلية التجارة، يطلب هاتفي لتنزيل تطبيق تليجرام على هاتفي، ثم طلب مني تنزيل التطبيق على هواتف والدته وشقيقته، وعندما سألته: لماذا؟، قال: هناك تطبيق يمكننا من الربح من خلال المراهنات على مباريات كرة القدم”.
ويضيف: “حاولت أن أقنعه بأن هذا الطريق غير صحيح لأنه غير آمن ويحمل مخاطر كبيرة، وأنه حرام بلا شك، لأنه يحقق الربح بدون عمل، ولكنه رفض ذلك واستمر في زيادة مشاركاته. حاول أن يؤثر على شقيقته ولكنها رفضت، ولكنه نجح في إقناع خاله وعدد كبير من أصدقائه بالانضمام لهذا النظام مقابل زيادة أرباحه مع كل عضو جديد”.
ويتابع: “جاء إلي في يوم من أيام شهر رمضان وأخبرني أنه وخاله فقدا كل الأموال التي وضعوها في هذا النظام وخسروها بالكامل. وأنه لا يزال يحاول إقناع خاله بأنه لا يزال يربح، ووفقًا لقوله فقد خسر أكثر من 25 ألف جنيه، ولكنني أعتقد أن المبلغ أكبر بكثير”.
ويشير إلى أن “القصة تبدأ بوعد كبير بالحصول على أرباح سريعة وسهلة دون بذل أي جهد، فقط من خلال متابعة تطبيق تليجرام واتباع نصيحة المعلم. يتم دعوة الأشخاص للانضمام إلى النظام عبر رابط داخل شجرة كبيرة، حيث يقوم كل فرد بدعوة أشخاص آخرين للانضمام، وبالتالي يحصل الشخص الجديد على مكافآت أكثر”.
“ليست المرة الأولى”
المثير للانتباه هو أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها شباب مصر للاستغلال والاحتيال من قبل تطبيقات مشابهة. قبل دخول تطبيق (SGO.CC) إلى مصر بشهرين فقط، حدثت فضيحة نصب تطبيق “Hogg pool”، حيث تعرض آلاف المصريين للاحتيال وتصدرت عناوين الأخبار في المواقع والصحف المصرية.
في مارس 2023، قامت السلطات المصرية بإلقاء القبض على 29 شخصًا مسؤولًا عن تطبيق “Hogg pool”، بينهم 13 من جنسيات أجنبية، بتهمة ممارسة نشاط غير قانوني، بعد تقديم بلاغات من قبل مصريين أفادوا بتعرضهم للاحتيال من قبل التطبيق الذي تم إغلاقه وخسروا أموالهم.
حظر المراهنات
في يوليو 2006، رفض علماء الأزهر مشروع الاتحاد المصري لكرة القدم بتطبيق نظام “المراهنات” على مباريات الدوري والكأس، واتفقوا على أنها “قمار” محرم شرعًا ووسيلة “سخيفة” للكسب غير المشروع، وفقًا لما نقله موقع “المصري اليوم” في ذلك الوقت.
قال الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، في ذلك الوقت، إن نظام المراهنات في مباريات كرة القدم هو قمار محرم شرعاً وذلك بناءً على نصوص صريحة في القرآن الكريم التي سماها “الميسر”.
ويعاني شباب مصر، الذي يبلغ عددهم 21.9 مليون نسمة بنسبة 21 بالمئة من إجمالي السكان (50.5 بالمئة ذكور و49.5 بالمئة إناث)، من تهميش النظام والإهمال الحكومي وغياب دور الدولة والتضييق على أدوار المساجد والجمعيات الأهلية والمنظمات الشبابية والأحزاب السياسية. وتشير البيانات الرسمية في آب/أغسطس الماضي إلى أن نحو 60 بالمئة من سكان مصر، البالغ عددهم 106 مليون نسمة في شباط/فبراير الماضي، يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه. وبلغت نسبة مستخدمي الإنترنت من شباب مصر 89 بالمئة وفقًا لبيانات عام 2022.
“تحت رعاية النظام.. وشواهد”
وعند قراءته، لاحظ رئيس “تكامل مصر”، المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، الباحث مصطفى خضري، عدة أسباب تفسر استمرار سقوط المصريين في تلك الفخاخ.
وأشار إلى أن أحد أهم هذه الأسباب هو انسداد فرص الاستثمار بسبب الفساد المستشري وسوء إدارة النظام الاقتصادي، بالإضافة إلى تقييد الفرص المتاحة للاستثمار لصالح رجال النظام وأتباعهم، وعدم استقرار سعر الصرف، وغياب الشفافية في النظام الضريبي والجمركي، وفقدان الثقة في إمكانية إصلاحات مستقبلية.
وعبر عن أسفه لأن معظم الضحايا من الطبقات المتوسطة والفقيرة، التي تأثرت بشدة بسوء السياسات الاقتصادية للنظام، مما جعلها غير قادرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، خاصة وأنها الأكثر تأثرا بتلك السياسات المدمرة.
وفي تقديره لمدى تحمل النظام المصري مسؤولية هذا الفخ وضياع مدخرات شباب بمقتبل العمر، لفت خضري الانتباه إلى أن النظام هو من يسمح لتلك الفخاخ ويديرها في كثير من الأحيان.
وأوضح رؤيته بالقول إن أحد توصيات صندوق النقد الدولي هو القضاء على السوق الموازي، الذي يديره الطبقات المتوسطة من التجار وأصحاب المصانع الصغيرة والورش وأصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة والمهنيين.
وأضاف: “حاول النظام تنفيذ توصيات الصندوق بامتصاص السيولة النقدية للاقتصاد الموازي بعدة طرق، بدأها باختبارات صكوك قناة السويس، والتي أظهرت وجود سيولة نقدية كبيرة في السوق الموازي، واستمر النظام بطرح عروض الودائع ذات العائد المرتفع، والتي لا يمكن لأي نشاط اقتصادي طبيعي أن يحقق متوسط عائد مماثل لها.
وتابع: “ومع ذلك، كان هناك جزء كبير من السيولة النقدية التي لا يثق أصحابها في النظام المصرفي والبنكي، وكان من الضروري اتخاذ إجراءات لإجبار الجميع على توحيد نظام السيولة والانضمام إلى النظام المصرفي، كما طلب منا صندوق النقد الدولي.
وأشار إلى أن “الأجهزة الأمنية كانت تبحث عن طرق أخرى للحصول على أموال السوق السوداء، وتم تجربة ذلك في سيناء أولاً، حيث تعتبر واحدة من أكبر الأسواق السوداء. فقد كانت القبائل البدوية تفضل الاحتفاظ بأموالها بعيدًا عن النظام المصرفي والبنوك”.
وأكد أن “الأجهزة الأمنية قامت بتسهيل إنشاء شركة وهمية لتجارة السيارات، وكانت تديرها شخصية غامضة تدعى مهند. وقد قاموا بخدعة بسيطة ولكنها كانت محكمة ومدروسة جيدًا، وظهرت بعض الشخصيات المرتبطة بالنظام لدعمها. وبعد ذلك، اختفى مهند فجأة مع ما يقرب من 10 مليارات جنيه (أكثر من مليار دولار في ذلك الوقت)، وتم سحب هذه الأموال من القبائل البدوية، بالإضافة إلى سحب أكثر من ثلثي سيارات سكان سيناء في ذلك الوقت. وبعد ذلك، أصبح من السهل على النظام تهجير سكان رفح وتحقيق السيطرة الأمنية على سيناء”.
واستمر في القول: “ثم ظهرت شركات أخرى تعمل في مجال التسويق الشبكي، ولكن بطرق أكثر تطويرا وتعقيدا، مستغلة التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت تجذب الشباب والشابات بوعود الثراء السريع والنجاح السهل”.
وأشار إلى أن “هذه الشركات تعمل بنظام الهرم الذي يستفيد من دفعات الأعضاء الجدد لدفع المكافآت للأعضاء القدامى، وهكذا تستمر دورة الاحتيال والنصب”.
وأكد أن “النظام ورجاله يواصلون تسهيل عمل هذه الشركات، ويستخدمون كل الوسائل لجذب الضحايا والمستثمرين، وبالتالي يزيدون من ثروتهم على حساب الناس البسطاء الذين يقعون في فخ الاحتيال والخداع”.
“اعترافات صادمة”
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكد بعض المستخدمين لتطبيق (SGO.CC) الذين تعرضوا للنصب أن القائمين على التطبيق قاموا بتجميع كل أساليب النصب في فكرة واحدة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الشباب وقعوا في فخ النصب من خلال نظام الشجرة الذي كانوا يتعرضون له منذ عام 1990. وأشاروا إلى أن الشباب لم يتعلموا من تجاربهم السابقة مع تطبيق مراهنات “1xBet”.
وأقر أحد الشباب بأنه تعرض للنصب عبر التطبيق، مؤكداً في مقطع فيديو أن خسارته بلغت 50 ألف جنيه، وأن هذه الأموال كانت من جهده وكان يخطط لاستثمارها في الزواج. وأشار إلى أن هناك شباباً آخرين باعوا سياراتهم وشققهم السكنية.
المصدر: ( وكالات )