مقالات ورأى

الأردن دولة “مؤقتة”

د.عبد الفتاح طوقان

اختلف الفلاسفة الالمان و الفرنسييون علي تعريف كيفية قيام و استمرارية الدول فعرفها الفيلسوف ماكس فيبر في كتابه الشهير “العالم و السياسي” : العنف هو الوسيلة التي تقوم عليها الدولة . وانطلق الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه في كتابه ” جينالوجيا الأخلاق ” من الحديث عن كون الدولة وحش كاسر وجهاز قمعي يعمل على ممارسة العنف داخليا وخارجيا

في المقابل الفيلسوفة الفرنسية جاكلين روس فاكدت أن الحق هو الممارسة المعقلنة لسلطة الدولة من خلاله تضمن الدولة كرامة الإنسان وتحترمه عن طريق الحق والقانون .

اما السياسة البريطانية فقد اعتمدت كل انواع المكر والخداع في تعريف و انشاء الدول، بعيدا عن العنف و القمع و ذلك بالاتفاق مع من تنصبهم و توليهم، فقد وعدت اليهود بوطن قومي لهم في فلسطين وجعلت الامير عبد الله ( المعروف في الاردن بأنه الملك المؤسس) ملكا على منطقة “عبرالاردن ” التي اصطلح علي تسميتها انذاك اماره شرق الاردن (الاردن فيما بعد) حينها و في دولة عمدت مثلما عمد المسيح تاريخيا في انهر القاموس البريطاني السياسي ” دولة مؤقته ” حسب خططتها المستقبلية لمنطقة الشرق الاوسط. اكدت بريطانيا وحدّدت ظروف نشأتها والأهداف المتوخاة من تأسيسها و لكن لم تؤكد علي عمرها الافتراضي.


وكنت قد استدعيت ليلا الي منزل الامير زيد بن شاكر في منطقة الحمر بعمان وكان معه الفريق سعد خير رحمهما الله وقت غزو العراق للكويت ، و قال لي ان السفير البريطاني سيحضر من دولة الكويت الواقعة تحت احتلال العراق الرابعة فجرا غدا وانه تم ترتيب موعدا لاجراء مقابله متلفزة معه الساعه 9 صباحا يوم وصوله وفي منزل السفير البريطاني في جبل عمان ( مستر هانكرتشيف) بين الدوار الثالث و الرابع ، وكانت الاسئلة واضحة متجاوزة كل الحدود ومنها : هل تضمن بريطانيا بقاْء الاردن و العرش الملكي ؟ هل ستدعم بريطانيا الامارة التي اصبحت مملكة حديثة تتفق مع السياسات البريطانية ام ستتخلى عنها ؟ هل تعبتر بريطانيا الامارة التي ولت عليها ملكا لا تزال تحت حمايتها في حال اي اعتداء عليها ؟ هل هناك اي تصور في وضع النظام الملكي و تبديله او تغييره ؟ هل الاردن دولة مؤقتة ؟ واسئلة اخري و كانت معي المخرجة فاليريا مدانات و تم اذاعة الشريط علي الهواء في نفس الليلة علي القناة الاولي و الفضائية الاردنية معا. ( الشريط المتلفز مفترض انه في مكتبه الاذاعة و التلفزيون الاردنية)..


دولة صنعتها بريطانيا لها نظام ملكي ذو قيمة عليا مشروط باحترام الحريات الفردية والجماعية للفلسطينيين و استقبال و توطين المهجرين والمطرودين من وطنهم المغتصب وتحت قانون يتمثل في إخضاع الكل له بدون استثناء لحقوق مكتملة وهو نابع لمبدأ استعماري مغلف باوراق تدعي انها أخلاقية قائمة علي العدل و المساواه المزيفة.


وهكذا فالفرد الفلسطيني في دولة “مؤقتة” هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تحمي دولة اسرائيل وتمنع كل أنواع الهجوم والاقتتال والاضطهاد التي قد يتعرض لها ابناْء عمومتة من ابناء العم “سام”. و بالتالي “الدولة المؤقتة” تستوعب الترنسفير الفلسطيني وتحمي حدود اسرائيل مقابل بقاء الهاشميون القادمون من الحجاز لآجل و حتى ترفع ورقة التوت فتتكشف الحقيقة.


لماذا دولة مؤقتة في منطقة “عبر الاردن” و الي “متي” هذا ما هو متوافر في اروقة و دهاليز الصندوق الاسود للحكومة البريطانية. الاردن دولة دوما مهدده و نظامها قابل للتغيير والتبديل في الوقت والزمان الذي يتم الاتفاق عليه امريكيا و بريطانيا واسرائيليا ( و هو ما لا نرجوه و نقف ضده قلبا وقالبا, فلسطينيون و اردنيون على حد السواء) .


ولكن المعطيات تشير الي أن الاردن ليس باقوى من ايران وشاه ايران الذي توارث حكما ملكيا مطلقا لمدة 2500 عام كان يصرف ستون مليارا سنويا علي الحرس الامبراطوري الايراني (كارد شاهنشاهي) يحميه و بمكالمة هاتفية من السفير الامريكي (عام 1979 )في طهران انهار النظام باكمله وحمل الشاه حقائبه وغادر طهران للابد وبمكالمة لم تتجاوز عشر دقائق من السفير الامريكي بالقاهرة للرئيس انور السادات استقبله السادات في مصر( اشترى الشاه قصرا من عائله سباهي السورية والثرية التي كانت تعمل في مجال المنسوجات و البلاستيك و اممت في عهد الرئيس المرحوم جمال عبد الناصر) في القاهره و بقي به حتي وفاته. هذا مع العلم ان شاه ايران كان خادما للسياسات الامريكية و موظفا لديها


نفس ما تم في ايران حدث مع الملك الراحل الحسين عندما قررت امريكا انهاء “الهاشميون” و تغيير “الدولة المؤقتة” و منحها للفلسطيينين ، و لكن الملك الراحل نجح في الابقاء علي الدولة ، و كان أن اعتكف في لندن لمدة ست اشهر وترك ادارة شوؤن الاردن لاخيه الامير الحسن وانتزع بذكاء و دهاء وفطنة وعبقرية من قلب الاسد موافقة ” تمديد خدمة للدولة المؤقتة في العرف الاستعماري البريطاني الامريكي الصهيوني” من الرئيس الامريكي رونالد ريجان بمساعده رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت ثاتشر. لكن حتى الان بريطانيا و ساستها ينظرون الي الاردن بصورة مختلفة و هي ” أحترام صاحب العمل للعامل المجتهد الامين علي حقوقها” و لا احد قادر علي معرفة ماذا سيكون نهاية المطاف و ما هي قصة النهاية.


اقصد من ذلك انه لا يوجد حل دولتين و لا حل دولة واحده في المنظور البريطاني حتى الاردن الدولة التي بناها و كبرها و طورها الهاشميون مهددة بالازاحة و تبديل الصفة السياسية للدولة في اي وقت ، وتأكيدا لذلك اسرائيل اعلنت صراحة علي لسان رؤوساء وزارات صهيوينة من احزاب مختلفة انه لا يوجد حل دولتين و لن تسمح بقيام دولة واحده ، بل اكد شارون ان دولة فلسطين اقيمت في الاردن و قدم مستندات ووثائق و تحويلات بنكية بقيمة 400 مليون جنيه ذهب فلسطيني في الاربعينيات نقلت من فلسطين الي الخزانة بالاردن لاقامة فلسطين علي التراب الاردني ، و كان هذا واضحا في مفاوضات اوسلو حيث اعترف الرئيس الفلسطيني للمنظمة “ابو عمار” باسرائيل و لم تعترف اسرائيل بدولة فلسطينية، فقد كانت مفاوضات “تسليم مفتاح” و تاكيد علي “الخيانة الفلسطينية لفلسطين الارض و الوطن ” وعلي حساب الاردن وعلى حساب اصحاب الارض الاصليين والعشائر الاردنية التي انتقصت حقوقها وضاعت ارضها وهمشت ادوارها. و الكل شاهد و استمع الي فيديو هدد به الرئيس حسني مبارك ابو عمار و قال له ” وقع يا ابن…………..” فوقع ذليلا كما يظهر في الفيديو المشار اليه.


علي ساسة الاردن الحفاظ علي “الاردن” الدولة ومحاربة الفكر الاستعماري القائم علي ” دولة مؤقتة” فقد نجح الهاشميون بالحفاظ عليها سنوات و اليوم هي على المحك و المذبح السياسي، بسكين الجزار الصهيويني الذي بعد غزة شراعه متجه الي سيناء والاردن و تحديدا منطقة الازرق و الاغوار ن و قد تمتد الي النظام.


الدفاع عن الاردن لا يتم بحكومات ضعيفة هزلة غير مؤهلة في بعض منها، حكومات يشوبها فساد ترضية و شللية و تصريف اعمال ، حكومات تعيش علي كسر خبز بالخطابات و التهديدات وكلام الفم الفارغ ، بل يتم الدفاع الحقيقي عبر حكومات قوية قادرة علي التفاوض والرؤية المستقبلية ، حكومات وطنية طواحينها مليئة بقمح سياسي مخلوطة بالفهم البليغ للواقع ، وتجنيد عباقرة من المفاوضيين والمؤرخين وخبراء التاريخ و العسكريين يمثلون ساسة الدول الحقيقيون لا ساسة المقاهي وشلل الوزراء و الانساب و توزير اصحاب النكات و الهرج و المرج ، لان الاردن مهدد ان لم يكن اليوم فغدا و لا نقبل باي شكل من الاشكال استبدال الهاشميون ولا استخدام الاردن وجبة عشاء زخمة لاسرائيل والصهوينية.


اليقظة مطلوبة لان اوراق بريطانيا السرية ووثائقها تنبا بما لا يحمد عقباه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى