المرأة ووهم التحرر المرأة العربية نموذجا
عانت المرأة في الماضي تحت وزر العادات والتقاليد التي تلتف حولها وتعصر رقبتها في مجتمع ذكوري بامتياز. يشرع ظلم المرأة انطلاقا من دونيتها ونقصها، حيث يتم تفسير الن صوص الدينية بشكل يضيق الخناق على المرأة رغم أن الدين الإسلامي دين عدل يدعو لإحسان معاملة المرأة.
لكن مع هذا، استخدم المجتمع الذكوري الدين والعادات لمحاربة المرأة والإنقاص منها بجعلها أحد متممات الرجل وليس كائنا بشريا ذا كرامة وحقوق. إضافة إلى اختزال جرائم الشرف فيها وحدها وإقصاء الرجل الذي يكون طرفا في الجريمة أو الجاني نفسه.
لتجد المرأة نفسها كسوءة، وجب إخفائها خلف جدران دون علم ولا قرار، تماما كقطعة أثاث تزين المنزل، حتى تنتقل من النظام الأبوي إلى النظام الزوجي وتستمر المعاناة.
المرأة والإصلاح
لكن مع بزوغ فجر التنوير والإصلاح، تعالت هتافات الإصلاحيين الداعية لتغيير وضع المرأة، أمثال قاسم أمين في مصر وعبد العزيز الثعالبي في تونس، اللذان قوبلت أفكارهما بالصد إلى حد التكفير. إذ أن المتجذرين في البيئة التقليدية شددوا على ضرورة المحافظة على وضع المرأة كما هو لحماية أخلاق الأسرة والمجتمع من التدهور، ولا يجب القبول بالإصلاح بدعوى أنه خطة الغرب لضرب القيم والإسلام.
أما دعاة الإصلاح، فدعوا لقراءة جديدة للنصوص الدينية تضمن للمرأة حقها مع الرجل. هذه الحرب، إن صح التعبير، قامت بين أصحاب الفكر القديم والحديث وانتهت لصالح هذا الأخير. إذ أصبحت المرأة العربية تتمتع بحقها في الخروج ثم التعليم وصولا إلى العمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية، مع ظهور باهت في صنع القرار وتقلد المناصب السياسية.
لكن هذا لا يمنع أنها أصبحت تنافس الرجل في مجالات مختلفة، وهو ما يدعونا إلى السؤال.. هل تخلصت المرأة من أغلال الماضي ونالت حريتها وكرامتها، أم أن تحررها مجرد وهم؟
المرأة العربية في الحاضر ووهم التحرر!
إن المرأة العربية في الوقت الحالي لا تزال مكبلة بالأغلال ذاتها، كل ما في الأمر أنه وقع تنظيف هذه الأغلال وتلميعها، لإيهامها بفكرة التحرر والتطور، ونشأ مفهوم النسوية لجعلها تصدق هذه الكذبة أكثر، لكن ما هذه الكذبة ومن صنعها؟
مما لا شك فيه أننا نعيش في عصر العولمة وتطور وسائل التواصل بامتياز، ولا شك في أن الإعلان يؤدي دورا كبيرا في تشكيل الثقافة والذوق العام.
لكن كيف ينجح هذا الإعلان؟ وكيف يقبل الناس على وسائل التواصل إقبالا كبيرا؟
حسنا، الأمر بسيط جدا. إن أردت اصطياد سمكة، أرمي لها الطعم، والطعم هنا هو المرأة، أو بالأحرى جسدها. فبالنسبة للإشهار، تستخدم صور المرأة بطرق استفزازية مغرية وجريئة في عملية الترويج لمختلف المنتجات، من الملابس والشامبو والعطور إلى غير ذلك. ويقع تسليط الضوء على جسدها وجاذبيتها وجمالها، لجذب الانتباه، أو لنقل الغرائز الجنسية بالنسبة للرجل، والغيرة والرغبة في الاقتداء بالنسبة للمرأة التي تشاهد ذلك الإعلان. والنتيجة هي زيادة المبيعات.
والأمر ذاته ينطبق على مواقع التواصل. فإما يقع استغلال جسد المرأة، أو تستغل المرأة نفسها بجسدها للحصول على عدد أكبر من الإعجابات والمشاهدات. وهذا ما نجده أيضا في البرامج التلفزيونية، التي يقع فيها إحضار حسناء ذات جسد متناسق وثياب مكشوفة مع تغييب لأفكارها وإنجازاتها.
وهكذا تصبح المرأة العربية جزءا من لعبة الرأسمالية الجشعة، وصناع الإشهار يستخدمونها كعامل إغراء لتحقيق الأرباح. وينشر نموذج المرأة ذات الجسد المتناسق والوجه الجميل، وهو ما يعزز شعور النقص لدى بقية النساء. فتنمو لديهن الرغبة في الوصول إلى ذلك النموذج عن طريق عمليات التجميل وارتداء الملابس ذاتها.
فتقصى أفكارها واهتماماتها وقضاياها، وتصبح مجرد جسد ومظهر، ومن ثم تدعس المرأة على كرامتها بكعبها العالي، وتمر بكل ثقة ظنا أنها حرة، فقط لأنها ترتدي ما تريد وتفعل ما تريد، دون أن تعلم أنها مجرد جزء من لعبة طمس كرامتها واحترامها كإنسان.
في الختام، جدير بالذكر أن المرأة نالت حقها في التعلم والعمل، إلا أنها وقعت في فخ الاستغلال، لتحقيق الربح. فهي لا تزال ترتدي ثوب الماضي بألوان الحاضر.